كقلال هجر، وأوراقها مثل آذان الفيلة يسير الراكب في ظلها سبعين خريفًا لا يقطعها. والمشاهد في الدنيا أن النبات يعيش إذا وجد التراب والماء والهواء، ولكن لا عجب فالله يخلقه في أي مكان شاء، كما أخبر عن شجرة الزقّوم أنها ببت في أصل الجحيم.
وقصارى ما سلف: أنّ النبيّ - ﷺ - رأى جبريل في صورته الحقيقية مرّتين: مرةً، وهو في غار حراء في بدء النبوة، والثانية في ليلة المعراج، ولم يكن ذلك في الأرض، بل كان عند شجرة نبق عن يمين العرش. وهي منتهى الجنّة؛ أي: آخرها، وعلم الملائكة ينتهي إليها.
ومن المعلوم (١): أنَّ الإسراء كان قبل الهجرة بسنة وأربعة أشهر أو بثلاث سنين على الخلاف، والرؤية الأولى كانت في بدء البعثة، فبين الرؤيتين نحو عشر سنين.
قال الماوردي في "معاني القرآن": فإن قيل: لِمَ اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأنَّ السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعام لذيذ، ورائحة ذكيّة. فشابهت الإيمان الذي يجمع قولًا، وعملًا، ونيّةً. فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكونه، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره.
١٦ - وقوله: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ﴾ ويغطيها ﴿مَا يَغْشَى﴾؛ أي: ما غطاها زيادة في تعظيم السدرة. و ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق برأى السابق، لا لما بعده من الجملة المنفية. فإن ﴿مَا﴾ النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. والغشيان بمعنى التغطية والستر، ومنه: الغواشي وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارًا لصورتها البديعة، أو للإيذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد.
والمعنى: وعزّتي وجلالي لقد رأى محمد جبريل عند السدرة وقت ما عشَّاها، وغطَّاها، وسترها، وعلاها ما لا يكتنهه الوصف ولا يفي به البيان كيفًا ولا كمًّا.

(١) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon