وفي الحديث: "وغثسيها ألوان لا أدري ما هي، فليس أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها". وعنه - ﷺ -: "رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة ملكًا قائمًا يسبح الله". وعنه - ﷺ -: "يغشاها رفرف"؛ أي: جماعة من طيور خضر. وقيل: يغشاها فراش أو جراد من ذهب. وقيل: يغشاها سبحات أنوار الله حين تجلَّى لها كما تجلَّى للجبل، لكنها كانت أقوى من الجبل، حيث لم يصبها ما أصابه من الدك. وذلك لأن الجبل كان في عالم الملك الضعيف، والسدرة في عالم الملكوت القوي، ولذا لم يخر - ﷺ - هناك مغشيًا عليه حين رأى جبريل كما غشي عليه حين رآه في الأفق الأعلى لقوة التمكين، وغاية لطافة الجسد الشريف. وقيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة أمثال الغربان حين يقمن على الشجر، يعبدون الله تعالى عندها أو يزورونها متبركين بها، كما يزور الناس الكعبة. وقيل: غير ذلك.
١٧ - ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ﴾؛ أي: ما مال بصر رسول الله - ﷺ - أدنى ميل عما رآه في ذلك المقام، وفي تلك الحضرة المقدسة الشريفة يمينًا ولا شمالًا ﴿وَمَا طَغَى﴾؛ أي: وما جاوز ما أمر برؤيته مع ما شاهد هناك من الأمور المذهلة مما لا يحصى، بل أثبته على ما أمر به إثباتًا صحيحًا متيقنًا.
والمعنى (١): أي ولقد رأى محمد - ﷺ - جبريل عند السدرة، حين غطى السدرة ما غطاها من الخلائق الدالة على عظمة الله وجلاله، ومن الإشراق، والحسن من الملائكة. وقد أبهم ذلك الكتاب الكريم، فعلينا أن نكتفي بهذا الإبهام، ولا نزيده إيضاحًا بلا دليل قاطع ولا حجة بينة. ولو علم الله سبحانه الخير لنا في البيان لفعل. ﴿مَا زَاغَ﴾، ﴿وَمَا طَغَى﴾؛ أي: ما مال بصر رسول الله - ﷺ - عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها وما جاوزها إلى رؤية ما لم يؤمر برؤيته.
والخلاصة: أنه رأى رؤية المستيقن المحقق لما رأى.
١٨ - وعزتي وجلالي ﴿لَقَدْ رَأَى﴾ محمد - ﷺ - ليلة المعراج ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)﴾ أي: الآيات التي هي كبراها وعظماها، فأري من عجائب الملك