والملكوت ما لا يحيط به نطاق العبارة. فقوله (١): ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ﴾ حال قدمت على صاحبها. وكلمة ﴿مِنْ﴾ للبيان، لأنّه المناسب لمرام المقام. وهو التعظيم والمبالغة. ولذا لم تحمل على التبعيض على أن يكون هو المفعول. ويجوز أن يكون ﴿الْكُبْرَى﴾ صفة للآيات، والمفعول محذوف؛ أي: شيئًا عظيمًا من آيات ربه. أي: ولقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه، وعجائبه الملكوتية. روى البخاري، وابن جرير، وابن المنذر في جماعة آخرين عن ابن مسعود: أنه قال في الآية: "رأى رفرفًا أخضر من الجنة سد الأفق"، أي: فجلس عليه، وجاوز سدرة المنتهى. والرفوف: البساط. وهو صورة همته البسيطة العريضة المحيطة بالآفاق مطلقًا؛ لأنّه - ﷺ - في سفر العالم البسيط، ولا يصل إليه إلا من له علو الهمة مثله. وقد قال حسّان بن ثابت رضي الله عنه في نعته - ﷺ -:
لَهُ هِمَمٌ لَا مُنْتَهَى لِكِبَارِهَا | وَهِمَّتهُ الصُّغْرَى أَجَلُّ مِنَ الدَّهْرِ |
وعلينا أن لا نحضر ما رآه في شيء بعينه بعد أن أبهمه القرآن. إذ هو قد رأى من الآيات الكبرى ما يجل عنه الحصر والاستقصاء.
فصل
نبذة من كلام الشيخ محيي الدين النواوي رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)﴾ وهل رأى نبينا محمد - ﷺ - ربه عز وجل ليلة الإسراء؟. قال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا - ﷺ - ربه ليلة الإسراء، فأنكرته عائشة كما وقع في "صحيح مسلم"، وجاء مثله عن أبي هريرة،