كانوا يزعمون أنها هياكل للملائكة، والملائكة بنات الله.. وبخهم على نسبة البنات إليه سبحانه، وهم لا يرضونها لأنفسهم، فقال: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١)﴾ الاستفهام فيه (١) للتوبيخ المبني على التوبيخ الأول؛ أي: هل لكم أيها المشركون الذكر الكامل، وله سبحانه الأنثى الناقصة؟ حيث قلتم: الملائكة بنات الله مع كراهتكم البنات لأنفسكم. واختار لفظ الأنثى على البنات لوقوعه رأس فاصلة، ولأنه الذي يذكر في مقابلة الذكر، لا البنات؛ لأن البنات إنما تذكر في مقابلة البنين.
٢٢ - وقوله: ﴿تِلْكَ﴾ إشارة إلى القسمة المفهومة من الجملة الاستفهامية. ﴿إِذًا﴾؛ أي: إذ جعلتم البنات له والبنين لكم ﴿قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾؛ أي: جائرة معوجة، حيث جعلتم له تعالى ما تستنكفون منه، وتجعلون لأنفسكم ما تحبون.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿ضِيزَى﴾ بكسر الضاد من غير همز. والظاهر: أنه صفة على وزن فعلى بضم الفاء، كسرت لتصح الياء. ويجوز أن يكون صدرًا على وزن فعلى كذكرى، ووصف به. وقرأ ابن كثير ﴿ضئزى﴾ بالهمزة، فوجه على أنه مصدر، كذكرى. وقرأ زيد بن عليّ ﴿ضَيْزَى﴾ وبفتح الضاد وسكون الياء، ويوجه على أنه مصدر كدعوى، وصف به، أو وصف كسكرى. ويقال: ضوزى بالواو وبالهمز.
والمعنى (٣): أي أتجعلون له ولدًا وتجعلون هذا الولد أنثى، وتختارون لأنفسكم الذكران على علم منكم أنَّ البنات ناقصات، والبنين كاملون، والله كامل العظمة. فكيف تنسبون إليه الناقص. وأنتم على نقصكم تنسبون إلى أنفسكم الكامل. تلك القسمة إذا كانت على تلك الحالة قسمة جائرة، غير مستوية، ناقصة غير تامة. لأنكم جعلتم لربكم ما تكرهونه لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضون لها.
٢٣ - ثم أنكر عليهم ما ابتدعوه من الكذب والإفتراء في عبادة الأصنام، وتسميتها
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.