صيغة الماضي على تحقق الانشقاق في زمن النبي - ﷺ -. ويدل عليه قراءة حذيفة رضي الله عنه ﴿وقد انشق القمر﴾؛ أي: اقتربت الساعة، وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق، وقد خطب حذيفة بالمدائن، ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت، وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم - ﷺ -. وحذيفة بن اليمان صاحب سرّ رسول الله - ﷺ - كابن مسعود رضي الله عنهما. وعلى هذا القول عامّة الصحابة ومن بعدهم، وبه أخذ أكثر المفسّرين. فلا عبرة بقول من قال: إنه سينشق يوم القيامة. كما قال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)﴾. والتعبير بالماضي للدلالة على تحققه، على أنا نقول: يجوز أن يكون انشقاقه مرتين: مرة في زمانه - ﷺ - إشارة إلى قرب الساعة، ومرة يوم القيامة، حين انشقاق السماء. قال الواحديّ: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد - ﷺ - ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة.
قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير، أي: انشق القمر، واقتربت الساعة. وقال جمع من المفسرين: إن هذا الانشقاق حدثٌ قد حصل، وأن القمر صار فرقتين على عهد رسول الله - ﷺ - قبل الهجرة بخمس سنين. فقد صح من رواية الشيخين، وابن جرير عن أنس: أن أهل مكة سألوا رسول الله - ﷺ - أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراء - جبل بمكة - بينهما.
وفي "الصحيحين"، وغيرهما من حديث ابن مسعود: "وانشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ - فرقتين، فرقة على الجبل، وفرقة دونه. فقال رسول الله - ﷺ -: اشهدوا". وجاء عنه أيضًا: "انشق القمر على عهد رسول الله - ﷺ -، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، فقال رجل: انتظروا ما يأتيكم به السفار، فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس، فجاء السفار، فأخبروهم بذلك" رواه أبو داود، والطيالسي. وفي رواية البيهقي: فسألوا السفار، وقد قدموا من كل وجه، فقالوا: رأيناه، فأنزل الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)﴾.
والحاصل (١): أنَّا إذا نظرنا إلى كتاب الله فقد أخبرنا بأنه قد انشق، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله - ﷺ - فقد ثبت في الصحيح وغيره