من طريق متواترة: أنه قد كان ذلك في أيام النبوة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم.. فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ، واستبعاد من استبعد.
وقال قوم - منهم عثمان بن عطاء -: المراد: انشقاقه يوم القيامة، والمعنى عليه (١): اقتربت الساعة، وسينشق القمر، وينفصل بعضه عن بعض، حين يختل نظام هذا العالم، وتبدل الأرض غير الأرض. ونحو هذا قوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١)﴾، وقوله: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)﴾؛ وكثير غيرهما من الآيات الدالة على الأحداث الكبرى التي تكون حين خراب هذا العالم، وقرب قام الساعة، والذي يدل على أن هذا إخبار عن حدث مستقبل لا عن انشقاق ماض أمورٌ:
١ - أن الإخبار (٢) بالانشقاق أتى إثر الكلام على قرب مجيء الساعة. والظاهر: تجانس الخبرين، وأنهما خبران عن مستقبل لا عن ماضٍ.
٢ - أن انشقاق القمر من الأحداث الكونية الهامة التي لو حصلت.. لرآها من الناس من لا يحصى كثرة من العرب وغيرهم، ولبلغ حدًّا لا يمكن أحدًا أن ينكره، وصار من المحسوسات التي لا تدفع، ولصار من المعجزات التي لا يسع مسلمًا ولا غيره إنكارها.
٣ - ما ادّعى أحدٌ من المسلمين إلا من شذ أن هذه معجزة بلغت حد التواتر، ولو كان قد حصل ذلك.. ما كان رواته آحادًا، بل كانوا لا يعدّون كثرة.
٤ - أنَّ حذيفة بن اليمان، وهو الصحابي الجيل خطب الناس يوم الجمعة في المدائن حين فتح الله فارس. فقال: ألا إنّ الله تبارك وتعالى يقول:
﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)﴾، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإنّ القمر قد انشقّ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدًا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة. فهذا الكلام من حذيفة في معرض قرب مجيء الساعة، وتوقع أحداثها لا في كلام عن أحداث قد حصلت تأييدًا للرسول، وإثباتًا لنبوتّه، لأنَّ ذلك كان في معرض العظة والاعتبار.

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon