وقيل (١): معنى ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَر﴾: وضح الأمر، وظهر. وقيل: انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه، وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقًا لانفلاق الظلمة عنه.
٢ - وبعد أن ذكر قرب مجيء الساعة، وكان ذلك مما يستدعي انتباههم من غفلتهم والتفكير في مصيرهم، والنظر فيما جاءهم به الرسول من الأدلّة المثبتة لنبوته، والمؤيّدة لصدقه، لكنهم مع كل هذا ما التفتوا إلى الداعي لهم إلى الرشاد، والهادي لهم إلى سواء السيل، بل أعرضوا، وتولوا مستكبرين كما قال: ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾؛أي: وإن ير هؤلاء المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوتك، وترشدهم إلى صدق ما جئت به من عند ربك كانشقاق القمر، ونظائره. ووجه تسمية ما جاءت به الأنبياء معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها. وقرىء (٢) ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا﴾ مبنيًا للمفعول؛ أي: من شأنهم ومن حالهم أنهم متى رأوا ما يدل على صدق الرسول - ﷺ - من الآيات الباهرة ﴿يُعْرِضُوا﴾ عن التأمل فيها ليقفوا على حققتها، وعلو طبقتها، فيؤمنوا، ويتولّوا مكذّبين بها منكرين أن يكون ذلك حقًّا.
﴿وَيَقُولُوا﴾ تكذيبًا منهم بها هذا الذي ظهر على يد محمد - ﷺ - ﴿سِحْرٌ﴾ سحرنا به، وخيال غشّنا به. ﴿مُسْتَمِرٌّ﴾؛ أي: (٣) مطرد دائم يأتي به على ممرّ الزمان، لا يكاد يختلف بحال كسائر أنواع السحر. فالاستمرار بمعني الاطراد، يقال: اطّرد الشيء تبع بعضه بعضًا، وجرى. وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخرى مترادفة، حتى قالوا ذلك. وفيه تأييد أن انشقاق القمر قد وقع، لا أنه سينشق يوم القيامة، كما قاله بعضهم. وذلك لأنه لو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات.. لم يكن ذكر هذا القول مناسبًا للمقام. أو مطّردًا بالنسبة إلى جميع الأشخاص والبلاد، حيث رأوه منشقًّا. وقال الكسائي والفراء، واختاره النحاس (٤): إنَّ المراد بالمستمر: الذاهب الزائل عن قرب. إذ هم قد عللوا أنفسهم، ومنوها بالأماني الفارغة. وكأنهم قالوا: إنَّ حاله - ﷺ -، وما ظهر من معجزاته إن هي إلا سحابة صيف عن قريب تقشع، ولكن هيهات هيهات.. فقد غرتهم الأماني. {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.