نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٣٢)}.
٣ - ثم أكد ما سبق بقوله: ﴿وَكَذَّبُوا﴾؛ أي: بالنبي - ﷺ -، وما عاينوه من المعجزات التي أظهرها الله على يده. ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾؛ أي: شهواتهم التي زيّنها الشيطان لهم من رد الحق بعد ظهوره. أو كذبوا الآية التي هي انشقاق القمر، واتبعوا أهواءهم، وقالوا: سحر القمر أو سحر أعيننا، والقمر بحاله، ولم يصبه شيء، أو إنه خسوف في القمر، وظهور شيء من جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر. فهذه أهواؤهم الباطلة اتبعوها لجهلهم وسخف عقولهم.
والخلاصة: أنهم كذّبوا النبي - ﷺ -، وتركوا حججه، وقالوا: هو كاهن، يقول عن النجوم، ويختار الأوقات للأفعال، وساحر يسترهب الناس بسحره إلى أشباه هذا من مقالاتهم التي تدل على العناد، وعدم قبول الحق. وذكرهما (١) بلفظ الماضي؛ أي: بعد "يعرضوا، ويقولوا" بلفظ المستقبل للإشعار بأنهما من عادتهم القديمة.
ثم سلى رسوله، وهدد المشركين بقوله: ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ﴾ من الأمور ﴿مُسْتَقِرٌّ﴾؛ أي: منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة. ومن جملتها: أمر النبي - ﷺ -، فسيصير إلى غاية يتبين عندها حقيقته، وعلو شأنه. وإبهام المستقر عليه للتنبيه على كمال ظهور الحال، وعدم الحاجة إلى التصريح به. أو كل أمر من أمرهم، وأمره - ﷺ - مستقر؛ أي: سيثبت، ويستقر على حالة خذلان، أو نصرة في الدنيا، وشقاوة أو سعادة في الآخرة. فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر، يعني: أن الاستقرار كناية عن ملزومه. وهو الانتهاء إلى الغاية. فإن عنده يتبين حقيقة كل شيء من الخير والشر، والحق والباطل، والهوى، والحجة. وينكشف جلية الحال، ويضمحل الشبه والالتباس؛ فإنّ الحقائق إنما تظهر عند العواقب. فهذا وعيد للمشركين، ووعد وبشارة للرسول والمؤمنين. ونظيره قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)﴾؛ أي: كل نبأ وإن طالت مدته فلا بد أن ينتهي إلى غايته، وتنكشف حقيقته من حق أو باطل. وفي عين المعاني: وكل أمر وعدهم الله تعالى كائن في وقته، لأنه مستقر لا يزول.