أي: صار ذا زجر، كأعشب؛ أي: صار ذا عشب.
والمعنى: أي ولقد جاء هؤلاء المشركين الذين كذبوا بك، واتبعوا أهواءهم من الأخبار عن الماضين الذين كذبوا الرسل، فأحلَّ الله بهم من العقوبات ما قصه في كتابه ما يردعهم، ويزجرهم عما هم فيه من القبائح؛ إذ أبادهم في الدنيا، وسيعذبهم يوم الدين جاء وفاقًا لما دنسوا به أنفسهم من الشرك بربهم، وعصيان رسله، واجتراحهم للسيئات.
٥ - ثم بين الذي جاءهم به، فقال: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾؛ أي: هذه الأنباء حكمة بالغة غايتها متناهية في كونها حكمة، لا خلل ولا نقص فيها. أو قد بلغت الغاية في الإنذار، والنهي، والموعظة، والإرشاد إلى طريق الحق، لمن اتبع عقله وعصى هواه. وهو بدل من ﴿ما﴾، أو خبر لمحذوف.
وقرأ الجمهور (١): ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ برفعهما، وجوزوا أن تكون ﴿حِكْمَةٌ﴾ بدلًا من ﴿مُزْدَجَرٌ﴾، أو من ﴿مَا﴾، أو خبر مبتدأ محذوف. وقرأ اليماني ﴿حكمةً بالغةً﴾ بالنصب فيهما حالًا من ﴿مَا﴾، سواء كانت موصولة أم موصوفة تخصصت بالصفة.
﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ نفى للإعتداء (٢). فمفعول ﴿تُغْنِ﴾ محذوف؛ أي: لم تغن النذر شيئًا. أو استفهام إنكار فما مخصوبة على أنها مفعول مقدم لتغني، أي: فأي إغناء تغني النذر إذ خالفوا أو كذبوا؛ أي: لا تنفع. كقوله: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)﴾. والنذر: جمع نذير بمعني المنذر أو مصدر بمعني الإنذار. والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكمة البالغة.
أي: إنَّ النذر والرسل (٣) لم يبعثوا ليلجئوا الناس إلى قبول الحق، وإنما أرسلوا مبلغين فحسب. فليس عليك، ولا على الأنبياء قبلك الإغناء والإلجاء إلى اتباع سبيل الهدى. فإذا بلغت.. فقد أتيت بما عليك من الحكمة البالغة التي أمرت بها في نحو قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ وتول عنهم بعدئذٍ.

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon