ونحو الآية قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.
٦ - ثم أمر رسوله أن لا يجادلهم، ولا يناظرهم. فإن ذلك لا يجدي نفعًا فقال: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾؛ أي: فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين المكذّبين بك، ولا تحاجهم فإنهم قد بلغوا حدًّا لا يقنعون معه بحجة ولا برهان، فأحرى بك أن لا تلتفت إلى نصحهم وإرشادهم. فقد عييت بأمرهم، وبرمت بعنادهم. وهذه الآية منسوخة بآية السيف.
والظرف في قوله (١): ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾ متعلق بـ ﴿يَخْرُجُونَ﴾ أو باذكر محذوفًا أو بقوله: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ ويكون ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ اعتراضًا أو بقوله: ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ﴾ أو بقوله: ﴿خُشَّعًا﴾. وهو يوم القيامة. والداعي إسرافيل عليه السلام، ينفخ في الصور قائمًا على صخرة بيت المقدس، ويدعو الأموات، وينادي قائلًا: أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، أو إنَّ إسرافيل وجبريل يدعو وينادي بذلك. وعلى كلا القولين فالدعا على حقيقته. وقال بعضهم: هو مجاز كالأمر في قوله تعالى: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾. يعني: أنَّ الدعاء في البعث والإعادة مثل: "كن" في التكوين والابتداء بأن لا يكون ثمة داع إسرافيل أو غيره، بل يكون الدعاء عبارة عن نفاذ مشيئته، وعدم تخلف مراده عن إرادته كما لا يتخلف إجابة دعاء الداعي المطاع.
يقول الفقير: الأولى بقاؤه على حقيقته؛ لأنَّ إسرافيل مظهر الحياة، وبيده الصور، والله تعالى ربط الأسياء بعضها ببعض، وإن كان الكل بإرادته ومشيئتة، انتهى. وأصل ﴿يَدْعُ الدَّاعِ﴾: يدعو الداعي بالواو والياء، ولما حذفت الواو من ﴿يدعو﴾ في التلفظ لاجتماع الساكنين حذفت في الخط أيضًا تباعًا للفظ، وأسقطت الياء من الداعي للاكتفاء بالكسرة تخفيفًا. قال بعضهم: حذفت الياء من الداعي مبالغة في التخفيف إجراء لأل مجرى ما عاقبها. وهو التنوين. فكما يحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبه.
﴿إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ بضمّتين، صفة على فعل، وقرىء (٢) بسكون الكاف
(٢) البحر المحيط.