الخلق، ولا أشار إليه. وذكر الإنسان في ثمانية عشر موضعًا كلها يدل على خلقه، وقد اقترنا في هذه السورة على هذا النحو، قاله المولى أبو السعود رحمه الله تعالى.
٣ - ثم امتن بعد هذه النعمة بنعمة الخلق الذي هي مناط كل الأمور، ومرجع جميع الأشياء، فقال: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: آدم من أديم الأرض، قاله ابن عباس.
٤ - ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾؛ أي: ألهمه الله سبحانه وتعالى بيان كل شيء، وأسماء كل دابة تكون على وجه الأرض. وفي "بحر العلوم": ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: آدم، وعلمه الأسماء واللغات كلها، وكان آدم يتكلم بسبع مئة لغة، أفضلها العربية، انتهى.
يقول الفقير: وفيه إشارة إلى أن الله تعالى قد تكلم بجميع اللغات سواء كان التعليم بواسطة أم لا، فإن قلت (١): كيف يتكلم الله باللغات المختلفة، والكلام النفسي عار عن جميع الأكسية؟
قلت: نعم، ولكنه في مراتب التنزلات والاسترسالات لا بد له من الكسوة. فالعربية مثلًا كسوة عارضة بالنسبة إلى الكلام في نفسه، وقد ذقنا في أنفسنا أنه يجيء الإلهام والخطاب تارة باللفظ العربي، وأخرى بالفارسيّ، وبالتركي مع كونه بلا واسطة ملك؛ لأن الأخذ عن الله لا ينقطع إلى يوم القيامة. وذلك بلا واسطة، وإن كان الغالب وساطة الملك من حيث لا يرى، فاعرف ذلك.
وقيل (٢): المراد بالإنسان: الجنس، وأراد به جميع الناس. فعلى هذا يكون معنى ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾؛ أي: علمه النطق الذي يتميز به عن سائر الحيوانات، وقيل: علمه الكتابة، والفهم، والإفهام، حتى عرف ما يقول، وما يقال له. وقيل: علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به. وقيل: أراد بالإنسان: محمدًا - ﷺ - ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾ يعني: بيان ما يكون وما كان. لأنّه - ﷺ - ينبىء عن خبر الأولين والآخرين، وعن يوم الدين. وقيل: علمه بيان الأحكام من الحلال والحرام، والحدود والأحكام. والأولى حمل الإنسان على الجنس، وحمل البيان على تعليم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.
(٢) الخازن.