والمعنى (١): أي إنَّ الله سبحانه وتعالى علم محمدًا - ﷺ - القرآن بواسطة جبريل، وعلم أمته بواسطته، وخلق هذا الجنس الإنساني، وعلمه التعبير عما يختلج بخاطره ويدور بخلده، ولولا ذلك ما علم محمد القرآن لأمته.
٥ - ولما كان الإنسان مدنيًا بيبعه لا يعيش إلا مجتمعًا بسواه كان لا بد له من لغة يتفاهم بها مع سواه من أبناه جنسه، ويكتب إليه في الأقطار النائية، والبلاد النازحة، ويحفظ علوم السلف لينتفع بها الخلف، ويزيد فيها اللاحق على ما فعل السابق. وهذه منة روحية كبرى، لا تعدلها منة أخرى في هذه الحياة. ومن ثم قدمها على النعم الأخرى الآتية.
وقد بدأ أوّلًا بما يتعلم، وهو القرآن الذي به السعادة، ثم ثنى بالتعلم، ثم ثلث بطريق التعلم وكيفيته، ثم انتقل إلى ذكر الأجرام العلوية التي ينتفع بها الناس في معاشهم. فقال: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ يجريان ﴿بِحُسْبَانٍ﴾ مبتدأ وخبر، أي: يجريان بحسبان مقدر معلوم في بروجهما ومنازلهما، بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية، ويختلف الفصول والأوقات، ويعلم السنون والحساب، فالسنة القمرية ثلاث مئة وأربعة وخمسون يومًا، والشمسية ثلاث مئة وخمسة وستون يومًا وربع يوم أو أقل. وبهذا (٢) الحسبان انتفع بهما الناس في شؤون الزراعات كمواعيد البذر والحصاد، وما ينفع منها في كل فصل من الفصول الأربعة، وفي الأمور المالية من بيع وشراء لآجال محدودة من شهور وسنين، وفي تقدير الأعمار والآجال التي تقدمت، وجاءت في أخبار الماضين، والشعبي ستكون للحاضرين. ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب. لأن الدهر يكون كله ليلًا أو نهارًا.
٦ - وبعد أن ذكر أن الشمس والقمر طوع قدرته، وقد جعل لهما النظم الدقيقة في الحسبان.. أردفه بانقياد العوالم الأرضية له، فقال: ﴿وَالنَّجْمُ﴾؛ أي: النبات الذي ينجم؛ أي: يطلع من الأرض ولا ساق له. مثل القمح والشعير، والقرع، والبطيخ، ونحو ذلك. وقيل (٣): النجم: هو الكوكب، وسجوده طلوعه. والقول الأول أظهر؛

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon