وخلق الحب. وجوزوا أن يكون ﴿وَالرَّيْحَانُ﴾ حالة الرفع، وحالة النصب على حذف مضاف؛ أي: وذو الريحان، حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. وقرأ حمزة، والكسائي، والأصمعيُّ عن أبي عمرو ﴿والرَّيحَانِ﴾ بالجر.
والمعنى: والحبّ ذو العصف الذي هو علف البهائم، والريحان الذي هو مطعم الناس. ويبعد دخول المشموم في قراءة الجر.
١٣ - ولما عدد تعالى نعمه خاطب الثقلين بقوله: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)﴾؛ أي: إن نعمه كثيرة لا تحصى، فبأيها تكذبان أيها الثقلان. وكان هذا الخطاب للثقلين؛ لأنهما داخلان في الأنام على أصح الأقوال، ثم خصص بهذا الخطاب من يعقل. ولقوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾، ﴿خَلَقَ الْجَانَّ﴾. ويدل عليه قوله فيما سيأتي. ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١)﴾ وهذا ما عليه جمهور المفسرين. وقيل: الخطاب للإنس، وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية، كما في قوله: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ كما مر.
والآلاء: جمع إلى، وألى مثل معى وعصى. قال في "بحر العلوم": الآلاء: النعم الظاهرة والباطنة الواصلة إلى الفريقين. وبهذا يظهر فساد ما قيل: من أن الآلاء هي النعم الظاهرة، والنعماء هي النعم الباطنة. والصواب أنهما من الألفاظ المترادفة، كالأسود والليوث، والفلك والسفن. ومعنى تكذيبهم بالآلاء كفرهم بها. والتعبير عن الكفر بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر شهادة منها بذلك، فكفرهم بها تكذيب بها لا محالة. والفاء فيه للإفصاح؛ أي: فإذا كان الأمر كما فصل فبأي فرد من أفراد نعم ربكما، ومالككما، ومربيكما بتلك الآلاء أيها الجن، والإنس تنكران أنها ليست من الله، مع أن كلًّا منها ناطق بالحق، شاهد بالصدق، أفبتلك النعم المذكورة هنا أم بغيرها. والاستفهام للتقرير؛ أي: للحمل على الإقرار بتلك النعم، ووجوب الشكر عليها. وتكرار هذه الآية في هذه السورة لطرد الغفلة، وتأكيد الحجة، وتذكير النعمة، وتقرير الكرامة من قولهم: كم نعمة كانت لكم، كم وكم، وكقولك لرجل أحسنت إليه بأنواع الأيادي، وهو ينكرها، ألم تكن نقيرًا فأغنيتك أفتنكر هذا، ألم تكن عريانًا فكسوتك أفتنكر هذا، ألم تكن خاملًا فعززتك، أفتنكر هذا؟ وهذا أسلوب كثير الاستعمال في كلام العرب. فكأنه تعالى قال: ألم أخلق الإنسان، وأعلمه البيان، وأجعل الشمس