فيها تختلف صنوف المزروعات من صيفية إلى شتوية، أم تنكران ما لاختلاف الأجواء من مزايا في تنظيم مزاج الإنسان والحيوان.
١٩ - ولما ذكر نعمه التي تترى على عباده في البر أعقبها بنعمه عليهم في البحر، فقال: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾؛ أي: أرسلهما من منبعهما، من مرجت الدابة إذا أرسلتها، وخليتها للرعي.
والمعنى: والله سبحانه أرسل البحر الملح، والبحر العذب ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ حال من البحرين، قريبة من الحال المقدرة؛ أي (١) حال كونهما يتجاوران، ويتماس سطوحهما، لا فصل بينهما في مرأى العين. وذلك كدجلة تدخل البحر، فتشقه، فتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها. وقيل: أرسل بحر فارس والروم يلتيقان في المحيط؛ لأنهما خليجان يتشعبان منه. قال سعدي المفتي: وعلى هذا فقوله: ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ إما حال مقدرة إن كان المراد: إرسالهما إلى المحيط، أو المعنى: اتحاد أصليهما إن كان المراد: إرسالهما منه. فلكل وجه. وقال ابن جريج: هما البحر المالح، والأنهار العذبة. وقيل: بحر المشرق والمغرب. وقيل: بحر اللؤلؤ والمرجان. وقيل: بحر الأرض، وبحر السماء. قال سعيد بن جبير: يلتقيان في كل عام. وقيل: يلتقي طرفاهما.
والمعنى (٢): أنه أرسل كل واحد منهما يلتقيان؛ أي: يتجاوران، لا فصل بينهما في رأي العين، ومع ذلك فلم يختلطا،
٢٠ - ولهذا قال: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾؛ أي: حاجز من قدرة الله أو من الأرض يحجز بينهما. والجملة الاسمية يجوز أن تكون مستأنفة أو حالًا. ﴿لَا يَبْغِيَانِ﴾؛ أي: لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة، وإبطال الخاصية مع أن شأنهما الاختلاط على الفور، بل يبقيان على حالهما زمانًا يسيرًا مع أن شأنهما الاختلاط، وانفعال كل واحد منهما عن الآخر على الفور، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما من الأرض لتكون الأرض بارزة يتخذها أهلها مسكنًا ومهادًا. فقوله: ﴿لَا يَبْغِيَانِ﴾ إما من الابتغاء، وهو الطلب؛ أي: لا يطلبان غير ما قدر لهما، أو من البغي، وهو مجاوزة كل واحد منهما ما حد له.
(٢) الشوكاني.