أحدهما: أنها لام الملك، والثاني: أنها لام الاستحسان والتعجب، كقولهم: لله أنت، لله درك كما في "كشف الأسرار". ﴿الْجَوَارِ﴾ (١) بكسر الراء. أصله: الجواري بالياء: جمع جارية. وهي السفن. وقرىء بحذف الياء ورفع الراء كقول الشاعر:

لَهَا ثَنَايَا أَرْبعٌ حِسَانُ وَأَرْبعٌ فَكُلُّهَا ثَمَانُ
والمعنى: وله السفن الجاريات في البحر. فحذف (٢) الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. قال ابن الشيخ: واعلم: أنَّ الأركان أربعة: التراب، والماء، والهواء، والنار. فالله سبحانه وتعالى بين بقوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ﴾ أن التراب أصل لمخلوق شريف مكرم عجيب الشأن. وبين بقوله: ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)﴾ أن النار أيضًا أصل لمخلوق آخر عجيب الآن. وبين بقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)﴾ أن الماء أيضًا أصل لمخلوق آخر، له قدر وقيمة. ثم ذكر أن الهواء له تأثير عظيم في جري السفينة كالأعلام، فقال: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾. وخصها بالذكر مع أن جميع ما في السموات والأرض له لا لغيره؛ لأنَّ جريانها في البحر لا صنع للبشر فيه، وهم معترفون بذلك فيقولون: "لك الفلك ولك الملك". وإذا خافوا الغرق دعوا خاصة. وسميت السفينة جارية؛ لأن شأنها الجري في البحر، وإن كانت واقفة في السواحل والمراسي. كما تُسَمَّى المملوكة أيضًا جارية؛ لأنَّ شأنها الجري والسعي في حوائج سيدها.
وقرأ الجمهور: ﴿الْجَوَارِ﴾ بكسر الراء، وحذف الياء لالتقاء الساكنين. وقرأ ابن مسعود، والحسن، وأبو عمر في رواية عنه برفع الراء تناسيًا للحذف. وقرأ يعقوب بإثبات الياء.
﴿الْمُنْشَآتُ﴾ قرأ الجمهور (٣) بفتح الشين اسم مفعول بمعنى المحدثات؛ أي: أنشأها الله تعالى، وأحدثها أو الناس أو المرفوعات الشرع؛ أي: القلع على أنه من أنشأه إذا رفعه. والشرع بضمتين: جمع شراع، نظير كتب وكتاب؛ أي: المرفوعات التي رفع بعض خشبها على بعض، وركب حتى ارتفعت وطالت، حتى صارت في
(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon