ثم تسحبهم الملائكة تارة بأخذ النواصي، وأخرى بأخذ الأقدام. روي عن الضحاك: أن الملك يجمع بين ناصية أحدهم وقدميه في سلسلة من وراء ظهره، ثم يكسر ظهره، ويلقيه في النار، وقيل: تأخذ الملائكة عليهم السلام بعضهم سحبًا بالناصية، وبعضهم سحبًا بالقدم، ولا نجزم بشيء من ذلك إلا بالنص القاطع، وهذا الوضع معهم سبيل من سبل الإهانة، والإذلال، والنكال.
٤٣ - ويقال لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ: ﴿هَذِهِ﴾ النار التي تلقون فيها الآن ﴿جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾؛ أي: جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا، فها أنتم الآن قد شاهدتموها، ورأيتموها رأي العين. فذوقوا عذابها، وهذه الجملة مستأنفة (١) واقعة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل: يقال لهم: هذه جهنم تقريعًا لهم، وتوبيخًا.
٤٤ - وجملة قوله: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا﴾؛ أي: بين جهنم، فتحرقهم ﴿وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ فتصب على وجوههم. حال من المجرمين أو مستأنفة؛ أي: يدورون بين النار، يحرقون بها، وبين حميم آن؛ أي: ماء بالغ من الحرراة أقصاها ونهايتها، يصب عليهم أو يسقون منه؛ أي: يطوفون من النار إلى الحميم، ومن الحميم إلى النار دهشًا وعطشًا أبدًا. والحميم: الماء الحار. والآني الذي قد انتهى حره، وبلغ غايته، من أنى يأني فهو آنٍ. مثل: تضى يقضي فهو قاض. قال أبو الليث: يسلط عليهم الجوع، فيؤتى بهم إلى الزقوم التي طلعها كرؤوس الشياطين، فأكلوا منها، فأخذت في حلوقهم، فاستغائوا بالماء، فأوتوا به من الحميم. فإذا قربوه إلى وجوههم تناثر لحم وجوههم، ويشربون، فتغلي أجوافهم، ويخرج جميع ما فيها. ثم يلقى عليهم الجوع، فمرة يذهب بهم إلى الجحيم، ومرة إلى الزقوم، وقيل: هو واد من أودية جهنم، يجمع فيه صديد أهل النار، فيغمسون فيه،
٤٥ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥)﴾ فإنَّ من جملتها النعمة الحاصلة بهذا التخويف، وما يحصل به من الترغيب في الخير، والترهيب من الشر.
فإن قلت (٢): هذه الأمور المذكورة في هذه الآيات من قوله: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾ إلى هنا ليست نعمًا، فكيف عقبها بقوله: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٢)﴾؟

(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon