﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ السيما بالكسر والقصر، والسيماء بالكسر والمد: العلامة، وزنه عفلي بتقديم عين الكلمة على فائها. لأنه من الوسم، قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة. فالأصل: وسمي، ثم صار سومي، ثم صار سيمي. ففيه قلب مكاني، وقلب حرفي، ﴿بِالنَّوَاصِي﴾ جمع ناصية. وهو مقدم الرأس، والمراد هنا: شعرها. ﴿يَطُوفُونَ﴾ أصله: يطوفون بوزن يفعلون، نقلت حركة الواو إلى الطاء فسكنت إثر ضمة، فصارت حرف مد. ﴿آنٍ﴾ وزنه فاع لحذف لامه بسبب التقاء الساكنين. لأنه من أنى يأني، مثل: قضى يقضي فهو قاض إذا انتهى. في الحر والفيح.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الحذف إفادة للعموم في قوله: ﴿الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)﴾ فقد حذف المفعول الأول لدلالة المعنى عليه؛ لأنَّ النعمة في التعليم، لا في تعليم شخص دون شخص. كما يقال: فلان يطعم إشارة إلى كرمه، ولا يبين من أطعمه.
ومنها: الإيهام في قوله: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)﴾ وهو عبارة عن إتيان المتكلم بكلام يوهم أنه أراد بالكلمة معنى يناسب ما قبلها، أو ما بعدها مع أنه ليس مرادًا له؛ فإن ذكر الشمس والقمر يوهم السامع أن النجم أحد نجوم السماء مع أن المراد به: النبت الذي لا ساق له.
ومنها: الجناس بين النجم والشجر.
ومنها: المقابلة اللطيفة بين قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا﴾، وقوله: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)﴾، وكذلك المقابلة بين ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ﴾، وبين ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)﴾.
ومنها: تكرير لفظ ﴿الْمِيزَانَ﴾ في قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨)﴾ تشديدًا للتوصية به، وتأكيدًا للأمر باستعماله، والحث عليه.


الصفحة التالية
Icon