قوله تعالى: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ...﴾ الآيات إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أنها تتميم لوصف الجنات بما يشوق الراغبين فيها ليعملوا ما يوصلهم إليها، ويرضي ربهم عنهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ الآية، سبب نزولها (١): ما روي عن ابن الزبير رضي الله عنه: أنه قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حين شرب لبنًا على ظمأ، فأعجبه، ثم أخبر أنه من غير حل فاستقاء، فقال - ﷺ - سمعه: "رحمك الله، لقد أنزلت فيك آية". يعني: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾. ودخل فيها كل من يهم بالمعصية، فيذكر الله، فيدعها من مخافة الله تعالى. ذكره في "عين المعاني".
التفسير وأوجه القراءة
٤٦ - ولما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم. فقال: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾؛ أي: موقف ربه سبحانه. وهو الموقف الذي يقف فيه العباد للحساب، كما قال: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)﴾. فالإضافة للاختصاص الملكي، إذ لا ملك يومئذٍ إلا لله تعالى. والمقام: اسم مكان كما فسرناه، أو مصدر ميمي؛ أي: خاف قيامه بين يدي ربه، وجزاءه على الأعمال خيرًا أو شرًا. وقيل: المعنى (٢): خاف قيام ربه عليه. وهو إشرافه على أحواله، واطلاعه صلى أفعاله وأقواله، كما في قوله: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾. قال مجاهد، والنخعي: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله فيدعها من خوفه.
والمعنى (٣): أي ولمن خشي ربه، وراقبه في أعماله، وأيقن بأنه مجازيه عليها يوم العرض والحساب يوم تجزى كل نفس بما كسبت، فإذا هو هم بمعصية ذكر
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.