وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما في الدنيا حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنّة، حتى الحنظلة، إلا أنه حلو؛ لأن ما في الجنة خلق من حلاوة العبادة والطاعات، فلا يوجد فيها المر المخلوق من مرارة السيئات كزقوم جهنم، ونحوه. ولكون الجنة دار الجمال لا يوجد فيها اللون الأسود أيضًا، لأنه من أثار الجلال. وهذه الجملة صفة ثالثة لجنتان.
٥٣ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣)﴾؛ أي: من هذه النعم اللذيذة. فإن في مجرد تعداد هذه النعم، ووصفها في هذا الكتاب العزيز من الترغيب إلى فعل الخير، والترهيب من فعل الشر، ما لا يخفى على من يفهم. وذلك نعمة عظمى، ومنة كبرى. فكيف بالتنعم به عند الوصول إليه.
٥٤ - وبعد أن ذكر طعامهم ذكر فراشهم، فقال: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من فاعل قوله: ﴿وَلِمَنْ خَافَ﴾. وإنما جمع حملًا على معنى ﴿من﴾. وقيل: عاملها محذوف، والتقدير: يتنعمون متكئين جالسين جلوس المتمكن المستريح.
والمعنى: يحصل لهم جنتان متكئين؛ أي: جالسين جلسة الملوك، جلوس راحة ودعة معتمدين ﴿عَلَى فُرُشٍ﴾ جمع فراش بالكسر. وهو ما يفرش، ويبسط، ويستمهد للجلوس والنوم. ﴿بَطَائِنُهَا﴾ ما يلي الأرض منها. جمع بطانة. وهي بالكسر من الثوب خلاف ظهارته. قال الزجاج: هي هنا ما يلي الأرض من الفرش. ﴿مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وهو ما غلظ من ثياب الحرير. وإذا كانت البطائن من إستبرق فكيف تكون الظهائر. قيل لسعيد بن جير: البطائن من إستبرق فما الظهائر؟ قال: هذا مما قال الله فيه: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾. قيل: إنما اقتصر على البطائن؛ لأنّه لم يكن أحد في الأرض يعرف ما في الظهائر. وقال الحسن: بطائنها من إستبرق، وظهائرها من نور جامد. وقيل: ظهائرها من سندس.
والمعنى: مضطجعين على فرش بطائنها من ديباج ثخين، وحيث كانت بطائنها كذلك فما ظنك بظهائرها؟ يعني: أنَّ الظهارة أشرف وأعلى. كما قال - ﷺ -: "لَمَناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه الحلة". فذكر المنديل دون غيره تنبيهًا بالأدنى على الأعلى.