للتفخيم والتعظيم؛ كما مر في القسمين الأوليين. كما تقول: أنت أنت، وزيد زيد. وهم القسم الثالث من الأزواج الثلاثة. أخر ذكرهم ليقترن ببين محاسن أحوالهم.
وأصل السبق: المتقدم في السير، ثم تجوز به في غيره من المتقدم. والجملة مبتدأ وخبر.
والمعنى: والسابقون هم الذين اشتهرت أحوالهم، وعرفت محاسنهم. كقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري. أو السابقون الأول مبتدأ، والثاني تأكيد له، كرر تعظيمًا لهم؛ والخبر جملة قوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ إلخ. وفي البرهان: التقدير عند بعضهم: السابقون ما السابقون، فحذف ﴿ما﴾ لدلالة ما قبله عليه.
ومعنى الآيات: ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧)﴾؛ أي (١): وصرتم أيها الخلائق في ذلك اليوم ثلاثة أصناف: اثنان في الجنة، وواحد في النار. ثم بينهم بقوله: ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ...﴾ إلخ؛ أي: فأهل الجنة الذين يعطون كتابهم بيمينهم، أيُّ شيء هم في حالهم. فهم في غاية حسن الحال في الكرامة؛ والسرور؛ وأهل النار الذين يعطون كتابهم بشمالهم أيُّ شيء هم في حالهم فهم في غاية سوء الحال، وهم في الهوان والعذاب. والسابقون الذين لا حساب عليهم هم الذين اشتهرت أحوالهم، وعرفت محاسنهم. فهم يسبقون الخلق إلى الجنّة من غير حساب. فالسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم السابقون إلى الهجرة، السابقون في الآخرة إلى الجنّة. وقيل: هم السابقون إلى الإسلام. وقيل: هم الذين صلُّوا إلى القبلتين من المهاجرين والأنصار. وقيل: هم السابقون إلى الصلوات الخمس. وقيل: إلى الجهاد. وقيل: هم المسارعون إلى التوبة؛ وإلى ما دعا الله إليه من أعمال البرّ والخير. وقيل: هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة.
فإن قلت (٢): لم أخر ذكر السابقين، وكانوا أولى بالتقديم على أصحاب اليمين؟
قلت: فيه لطيفة، وذلك أنَّ الله تعالى ذكر في أوّل السورة من الأمور الهائلة

(١) المراح.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon