عند قيام الساعة تخويفًا لعباده. فأما المحسن فيزداد رغبة في الثواب، وأما المسيء فيرجع عن إساءته خوفًا من العقاب. فلذلك قدم ﴿أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ ليسمعوا، ويرغبوا. ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا. ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجتهد أصحاب اليمين في القرب من درجتهم.
١١ - وقيل (١): وجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأوليين ليقرنه بما هو لهم المذكور بقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بتلك الصفة الجليلة. وهو مبتدأ، خبره ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ أي: الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم، وأعليت مراتبهم، ورقيت إلى حظائر القدس نفوسهم الزكية. يقول الفقير: عرف هذا المعنى من قوله - ﷺ -: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس": فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن. فإنه يظهر منه أن الفردوس مقام المقربين لقربه من العرش الذي هو سقف الجنة. ولم يقل: أولئك المتقرّبون؛ لأنهم بتقريب ربهم سبقوا لا بتقرب أنفسهم. ففيه إشارة إلى الفضل العظيم في حقّ هؤلاء، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
١٢ - وقوله: ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)﴾ إما (٢) متعلق بـ ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾؛ أي: مقرّبون عند الله في جنات النعيم، أو خبر ثان لأولئك، أو حال من الضمير في ﴿الْمُقَرَّبُونَ﴾ أي: كائنين في جنّات النعيم.
والمعنى (٣): أي والسابقون الذين يتقدّمون غيرهم إلى الطاعات هم الذين اشتهرت أحوالهم، وعرفت فخامة أمورهم. وقد يكون المعنى: والسابقون إلى طاعة الله تعالى هم السابقون إلى رحمته سبحانه. فمن سبق في هذه الدنيا إلى فعل الخير كان في الآخرة من السابقين إلى دار الكرامة. فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - ﷺ - قال: "أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الذين إذا أعطوا الحق

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon