ليشرب. ﴿وَأَبَارِيقَ﴾، جمع إبريق. وهو الإناء الذي له عروة، وخرطوم يبرق لونه من صفائه. وقيل: إنها أعجمية معربة آبْ ري؛ أي: بآنية ذات عرى وخراطيم. وبقال: الكوب للماء وغيره. والإبريق لغسل الأيدي، والكأس لشرب الخمر. كما قال: ﴿وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾؛ أي: وبكأس من خمر جارية من العيون. أخبر أن خمر الآخرة ليست كخمر الدنيا، تستخرج بتكلف وعلاج وتكون في أوعية، بل هي كثيرة جارية. كما قال: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ﴾. والكأس: القدح إذا كان فيها شراب، وإلا فهو قدح. يقال: معن الماء إذا جرى، فهو فعيل بمعنى الفاعل؛ أي: ظاهرة تراها العيون في الأنهار كالماء المعين.
فإن قلت: كيف جمع الأكواب والأباريق، وأفرد الكأس؟
فالجواب: أن ذلك على عادة أهل الشراب. فإنهم يعدون الخمر في الأواني المتعددة، ويشربون بكأس واحدة.
١٩ - ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ أي: (١) لا تتصدع رؤوسهم، ولا تتوجع من شربها؛ أي: لا ينالهم بسب شربها صداع كما ينالهم ذلك من خمر الدنيا. والصداع: هو الداء المعروف الذي يلحق الإنسان في رأسه. وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. وليست هذه الخصال الذي خمر الجنة، بل هي لذّة بلا أذى.
وقرأ مجاهد ﴿لا يَصَّدعون﴾ بفتح الياء، وشدَّ الصاد. وأصله: يتصدَّعون، أدغم التاء في الصاد؛ أي: لا يتفرقون عنها كما يتفرق الشراب، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾. وقرأ الجمهور (٢) بضم الياء، وتخفيف الصاد. والجملة مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم من النعيم، أو في محل النصب على الحال.
وجملة ﴿وَلَا يُنْزِفُونَ﴾، معطوفة على الجملة التي قبلها، أي: لا يسكرون بشربها، فتذهب عقولهم، أو لا ينفد شرابهم، من أنزف الشارب، إذا نفد عقله، أو شرابه. فالنفاد إما للعقل، وهو من عيوب خمر الدنيا، أو للشراب فإن بنفادها تختل الصحبة. وقرأ الجمهور: ﴿وَلَا يُنْزَفُون﴾ مبنيًا للمفعول، من أنزف الشارب إذا نفد
(٢) البحر المحيط.