لعراقته في الاستبعاد، وانقلابه من الأجزاء البادية. و ﴿إذا﴾ ممحضة للظرفية، والعامل فيها ما دل عليه قوله سبحانه: ﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، لا نفسه. لأن ما بعد "إنَّ، واللام، والهمزة" لا يعمل فيما قبلها. وهو البعث، كما مرَّ تقديره آنفًا. وهو المرجع للإنكار والاستبعاد، وتقييده بالوقت المذكور ليس لتخصيص إنكاره به فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت، وإن كان البدن على حاله، بل لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إليه في حالة منافية بالكلية. وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونهم ترابًا وعظامًا، بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له، ومرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك الحالة.
٤٨ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)﴾ للإنكار والاستبعاد أيضًا، داخلة على محذوف، والواو: للعطف على المستكن في ﴿لَمَبْعُوثُونَ﴾ لوقوع الفصل بينهما بالهمزة، والتقدير: ألمبعوثون نحن وآباؤنا الأولون؟.
والمعنى: أن بعث آبائهم الأولين أبعد لتقدم موتهم. وقرىء (١) ﴿وآبائنا﴾ بلا همزة. وقرأ نافع، وابن عامر "أو" بالسكون. وقد سبق مثله، ذكره البيضاوي.
ومعنى الآيات (٢): أي إنهم كانوا في الدنيا منعمين بألوان من المآكل، والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، منهمكين في الشهوات، فلا جرم عذبوا بنقائضها، إلى أنهم كانوا ينكرون هذا اليوم، ويقولون: أنبعث نحن وآباؤنا الأولون، ونعود كرة أخرى، وقد صرنا أجسادًا بالنية، وعظامًا نخرة.
والخلاصة: أنهم كانوا يمتعون بوافر النعم، وجزيل المنن. وهم مع ذلك أصروا على كفرانهم، ولم يشكروا أنعم الله عليهم، فاستحقوا عذاب ربهم، وكانوا مكذبين بهذا اليوم، مستبعدين وقوعه، وركبوا رؤوسهم فلم يلووا على شيء، وهاموا في أودية الضلالة، وساروا في سبيل الغواية، ولا رقيب ولا حسيب.
وقد جرت سنّة القران أن يذكر أسباب العقاب (٣)، ولا يذكر أسباب الثواب؛ لانَّ الثواب فضل، والعقاب عدل، والفضل ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم في

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon