المتفضل به نقص ولا ظلم، أما العدل إن لم يعلم سببه فربما يظن أنه ضرب من الظلم، كما مر آنفًا في بيان الحكمة، وقد ذكروا لاستبعاد هذا البعث أسبابًا:
١ - الحياة بعد الموت.
٢ - طول العهد بعد الموت، حتى صارت اللحوم ترابًا، والعظام رفاتًا.
٣ - بلغ الأمر منهم أن قالوا متعجبين: أو يبعث آباءنا الأولون؟.
٤٩ - فرد الله سبحانه عليهم كل هذا، وأمر رسوله أن يجيبهم ويرد عليهم استبعادهم، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ردًّا لإنكارهم، وتحقيقًا للحق. ﴿إِنَّ الْأَوَّلِينَ﴾ في الزمن من الأمم الماضية ﴿وَالْآخِرِينَ﴾ فيه الذين أنتم من جملتهم، وفي تقديم (١) ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ مبالغة في الرد، حيث كان إنكارهم لبعث آباءهم أشد من إنكارهم لبعثهم مع مراعاة الترتيب الوجودي.
٥٠ - ﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ بعد الموت، وكأنه ضمن الجمع معنى السوق، فعدى تعديته بإلى. وقرىء ﴿لمجمعون﴾، ولذا قال: ﴿إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾؛ أي: إلى ما وقتت به الدنيا، وحدت من يوم معلوم لله، معين عنده. وهو يوم القيامة. والإضافة بمعنى من، كخاتم ففة. والميقات هو الوقت المضروب للشي ينتهي عنده أو يبتدأ فيه؛ ويوم القيامة ميقات تنتهي الدنيا عنده، وأول جزء منه. فالميقات الوقت المحدود، وقد يستعار للمكان. ومنه: مواقيت الإحرام للحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرمًا.
والمعنى (٢): أي أجبهم أيها الرسول الكريم قائلًا لهم: إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم أشد الاستبعاد؛ والآخرين الذين تظنون أن لن يبعثوا ليجمعون في صعيد واحد في ذلك اليوم المعلوم، ولا شك أن اجتماع عدد لا يحصى كثرة أعجب من البعث نفسه. ونحو الآية قوله تعالى في سورة النازعات: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)﴾.
٥١ - ثم بين ما يلقاه أولئك المكذبون من الجزاء في مآكلهم، ومشاربهم فقال: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ الخطاب (٣) لأهل مكة؛ وأضرابهم، وهو معطوف على ﴿إِنَّ الْأَوَّلِينَ﴾، داخل
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.