هيم بضم الهاء بوزن حمر، فقلبت الضمة كسرة لتصح الياء، فصار نظير بيض. قال قيس بن الملوح:

يُقَالُ بِهِ دَاءُ الْهُيَامِ أَصَابَهُ وَقَدْ عَلِمَتْ نَفْسِيْ مَكَانَ شِفَائِيَا
وقيل: جمع هائم وهائمة، وجمع فاعل على فعل كباذل وبذل، عائذ وعوذ شاذ. وقال الضحاك (١)، وابن عيينة، والأخفش، وابن كيسان: الهيم: الأرض السهلة ذات الرمل.
والمعنى عليه: أنهم يشربون كما تشرب هذه الأرض الماء، ولا يظهر له فيها أثر.
ومعنى هذا الكلام (٢): أنه يسلط عليهم من الجوع والتهاب النار في أحشائهم ما يفطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل. فإذا ملؤوا منه بطونهم، وهو في غاية الحرارة، والمرارة سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم، فيشربونه لتشرب الإبل العطاش. وفيه بيان لزيادة العذاب أيضًا؛ أي: لا يكون شربكم أيها الضالون كشرب من يشرب ماء حارًا منتنًا، فإنه يمسك عنه إذا وجده مؤلمًا معذبًا بخلاف شربكم، فإنكم تلزمون بأن تشربوا منه مثل ما يشرب الجمل الأهيم، فإنه يشرب ولا يروى.
٥٦ - ﴿هَذَا﴾ الذي ذكر من الزقوم والحميم أوّل ما يلقونه من العذاب ﴿نُزُلُهُمْ﴾؛ أي: رزقهم المعدّ لهم؛ أي: كالنزل الذي يعد للنازل مما حضر مكرمة له. ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي: يوم الجزاء. فإذا كان ذلك نزلهم فما ظنك بحالهم بعدما استقر لهم القرار، واطمأنت بهم الدار في النار؟. وفيه من التهكم بهم، والتوبيخ لهم ما لا يخفى، كما في قوله: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ لأن ما يعد لهم في جهنم ليس مكرمة لهم، كما قال:
وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ بِالْجَيْشِ ضَافَنَا جَعَلْنَا الْقَنَا وَالْمُرْهَفَاتِ لَهُ نُزُلَا
والجملة مسوقة من جهته تعالى بطريق الفذلكة، مقررة لمضمون الكلام الملقن غير داخلة تحت القول.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon