وقرأ الجمهور (١): ﴿مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ﴾. وقرأ عبد الله ﴿من شجرة﴾، كما مرت الإشارة إليه. والضمير في قوله: ﴿فَمَالِئُونَ مِنْهَا﴾ عائد على شجر. إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر. وعلى قراءة عبد الله فهو واضح. ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ﴾ قال الزمخشري: ذكر على لفظ الشجر كما أنَّث على المعنى في ﴿مِنْهَا﴾، قال: ومن قرأ ﴿من شجرة﴾ فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم؛ لأنه يفسرها، وهي في معناه. وقال ابن عطية: الضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ عائد على المأكول أو على الأكل، انتهى، فلم يجعله عائدًا على شجر. قال الزمخشري: فإن قلت (٢): كيف يصح عطف الشاربين على الشاربين وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفًا للشي على نفَسه؟
قلت: ليستا بمتفقتين من حيث كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهى الحرارة، وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضًا، فكانتا صفتين مختلفتين، انتهى.
والفاء تقتضي التعقب في الشربين، وأنهم أوّلًا لمَّا عطشوا شربوا من الحميم ظنًّا أنه يسكن عطشهم، فازداد العطش بحرارة الحميم، فشربوا بعده شربًا لا يقع به ري أبدًا، وهو مثل شرب الهيم، فهما شربان من الحميم، لا شرب واحد، اختلفت صفتاه فعطف، والمقصود الصفة، والمشروب منه في ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)﴾ محذوف لفهم المعنى، تقديره: فشاربون منه شرب الهيم.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة (٣): ﴿شُرْبَ الْهِيمِ﴾ بضم الشين. وهو مصدر سماعي، وقيل: اسم لما يشرب. وقرأ مجاهد، وأبو عثمان النهدي بكسرها. وهو بمعنى المشروب اسم لا مصدر، كالطحن والري، وقرأ الأعرج، وابن المسيب، وحبيب بن الحبحاب، ومالك بن دينار، وباقي السبعة بفتحها. وهو مصدر مقيس. وقرأ الجمهور: (٤) ﴿نُزُلُهم﴾ بضمتين. وقرأ ابن محيصن، وخارجة عن نافع، ونعيم، ومحبوب، وأبو زيد، وهارون، وعصمة، وعباس كلهم عن أبي عمرو بضم النون وسكون الزاي.

(١) البحر المحيط.
(٢) الكشاف.
(٣) البحر المحيط.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon