لتوحيد الله القائل، ولذا يقال: أشهد أن لا إله إلا الله؛ ليدل على شهادته بخصوصه، فتعين توحيده، ويظهر تصديقه.
وفي قوله (١): ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ﴾ التفات من الله سبحانه إلى خطاب الكفرة تبكيتًا لهم، وإلزامًا للحجة.
والمعنى (٢): أي نحن بدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا مذكورًا، أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على الإعادة بطريق الأولى، فهلا تصدقون بالبعث. وفي هذا تقرير للمعاد، ورد على المكذبين به المستبعدين له من أهل الزيغ والإلحاد الذين قالوا: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾.
٥٨ - ثم أعاد الدليل فقال: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨)﴾؛ أي: ما تقذفونه، وتصبونه في أرحام النساء من النطف التي يكون منها الولد. فقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ﴾ بمعنى أخبروني، و ﴿مَا تُمْنُونَ﴾ مفعوله الأول. والجملة الاستفهامية أعني: قوله: ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ إلخ، مفعوله الثاني. يقال: أمنى الرجل يمني لا غير، ومنيت الشيء أمنيه إذا قضيته. وسمي المني منيًّا؛ لأن الخلق منه يقضى.
٥٩ - ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾؛ أي: تقدرونه، وتصورونه بشرًا سويًّا في بطون النساء ذكرًا، أو أنثى ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ له؛ أي: أم نحن المقدرون المصورون له من غير دخل شيء فيه، و ﴿أَمْ﴾ هي المتصلة، وهي أولى. وقيل: منقطعة ما بعدها جملة. فالمعنى: بل أنحن الخالقون على أن الاستفهام للتقرير. ومجيء الخالقون بعد ﴿نَحْنُ﴾ بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة.
وفيه (٣): إشارة إلى معنى: أن وقوع نطف الأعمال، والأفعال، وموادها في أرحام قلوبكم ونفوسكم بخلقي، وإرادتي لا بخلقكم وإرادتكم. ففيه تخصيص مواد الخراطر المقتضية للأفعال والأعمال والأقوال إلى نفسه، وقدرته، وسلبها عن الخلق.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿تُمْنُونَ﴾ بضم الفوقانية، من أمنى يمني. وقرأ ابن عباس،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) الشوكاني.