الأطوار، والأحوال التي لا تعهدونها.
والخلاصة: نحن قدرنا بينكم الموت؛ لأن نبدل منكم أمثالكم بعد مهلككم، ونجيء بآخرين من جنسكم، فنحن نميت طائفة، ونبدلها بطائفة أخرى قرنًا بعد قرن، وجيلا بعد جيل.
٦٢ - ثم ذكر دليلًا آخر على البعث. فقال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ واللام للقسم؛ أي: وعزتي وجلالي لقد علمتم أيّها الكفرة ﴿النَّشْأَةَ﴾؛ أي: الخلقة ﴿الْأُولَى﴾ هي خلقتهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، ولم تكونوا قبل ذلك شيئًا. وقيل: هي فطرة آدم من التراب.
وعبارة الخطيب هنا: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى﴾ أي: الترابية لأبيكم آدم، واللحمية لأمكم حواء، والنطفية لكم. وكل منها تحويل من شيء إلى غيره. فإن الذي شاهدتم قدرته على ذلك قادر على إعادتكم.
﴿فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ﴾؛ أي: فهلا تذكرون قدرة الله على النشأة الأخيرة، وتقيسونها على النشأة الأولى؛ فإن (١) من قدر على الأولى التي كانت بلا مواد قدر على الأخيرة حتمًا فإنها أقل صنعًا لحصول المواد، وتخصص الأجزاء وسبق المثال.
وفي الخبر: "عجبًا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة، وهو يرى النشأة الأولى، وعجبًا للمصدق بالنشأة الآخرة، وهو يسعى لدار الغرور". وفي الآية دليل على صحة القياس، حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى. وترك القياس إذا كان جهلًا.. كان القياس علمًا، وكل ما كان من قبيل العلم فهو صحيح. قال أبو حيان: ولا تدل إلا على قياس الأولى لا على جميع أنواع القياس.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿النَّشْأَةَ﴾ بالقصر. وقرأ مجاهد، والحسن، وابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين في النشأة، وبألف بعدها فهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال من ﴿تذكَّرون﴾. والباقون بالتشديد. وقرىء ﴿تذْكُرون﴾ بسكون الذال، وضم الكاف من ذكر الثلاثي.
(٢) المراح.