﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)﴾ حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا. والمحروم: الممنوع من الرزق الذي لا حظ له فيه، أو محدودون لا مجدودون؛ أي: ممنوعون من الحد وهو المنع؛ أي: لا حظ لنا، ولا جد، ولا بخت. ولو كنا مجدودين.. لما فسد علينا هذا.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله - ﷺ - بأرض الأنصار، فقال: "ما يمنعكم من الحرث"؟ قالوا: الجدوبة. قال: "أفلا تفعلون فإن الله تعالى يقول: أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء، وإن شئت زرعت بالريح، وإن شئت زرعت بالبذر". ثم تلا ريسول الله - ﷺ - ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣)﴾ الآية. ففي الحديث إشارة إلى أن الله تعالى هو الذي يعطي ويمنع بأسباب وبغيرها. فالتوحيد هو أن يعتقد أن التأثير من الله تعالى لا من غيره، كالكوكب ونحوه، فإنه يتهم النفس بالمعصية القاطعة للرزق.
وفي الحديث: "ما سنة بأمطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي، والبحار". وفي الحديث: "دُم على الطهارة يوسع عليك الرزق". فإذا كان توسيع الرزق في الطهارة، فتضييقه في خلافها، والرزق ظاهر وباطن، وكذا الطهارة والنجاسة. فلا بد لطالب الرزق مطلقًا أن يكون على طهارة مطلقة دائمًا.
فإن قلت: فما حال أكثر السلف؛ فإنهم كانوا فقراء مع دوام الطهارة؟
قلت: كان السلف في الرزق المعنوي أكثر من الخلف، وهو المقصود الأصلي من الرزق. وإنما كانوا فقراء في الظاهر لكمال افتقارهم الحقيقي، كما قال عليه السلام: "اللهم أغنني بالافتقار إليك". فمنعوا عن الغنى الصوري تطبيقًا لكل من الظاهر والباطن بالآخر، فهم أغنى الأغنياء في صورة الفقراء، وعداهم ممن ليس على صفتهم أفقر الفقراء في صورة الأغنياء، فالمرزوق من رزق غذاء الروح من الإلهامات، والعلوم، والفيوض، والمحروم: من حرمه، فاعرفه.
والمعنى: أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم. ولو شئنا.. لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده؛ فأصبح لا ينتفع به في مطعم، ولا في غذاء. فصرتم تعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتم فيه من الخضرة، والنضرة، والبهجة، والرواء،