وتقولون: حقًّا إنا لمعذبون مهلكلون لهلاك أرزاقنا؟ لا بل هذا أمر قدر علينا لنحس طالعنا، وسوء حظنا.
٦٨ - ثم أعقبه بدليل آخر في المشروب. فقال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ﴾؛ أي: أخبروني أيها الناس ﴿الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ عذبًا فراتًا، فتسكنون به ما يلحقكم من العطش، وتدفعون به ما ينزل بكم من الظمأ. واقتصر سبحانه على ذكر الشرب مع كثرة فوائد الماء، ومنافعه؛ لأنه أعظم فوائده، وأجل منافعه.
٦٩ - ﴿أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾؛ أي: من السحاب. واحده مزنة. وقيل: هو السحاب، وماؤه أعذب. والمراد به: المطر. ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ له بقدرتنا دون غيرنا. فإذا عرفتم ذلك فكيف لا تقرون بالتوحيد، وتصدقون بالبعث. والرؤية (١) إن كانت بمعنى العلم، فمعلقة بالاستفهام، وإن كانت بمعنى الإبصار، أو المعرفة فالجملة الاستفهامية استئناف. وهذا هو اختيار الرضي.
٧٠ - ثم بين لهم سبحانه أنه لو يشاء لسلبهم هذه النعمة. فقال: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ﴾؛ أي: جعلنا ذلك الماء النازل من المزن ﴿أُجَاجًا﴾؛ أي: ملحًا زعافًا، لا يمكن شربه. والأجاج (٢): الماء الشديد الملوحة الذي لا يمكن شربه. وقال الحسن: هو الماء المر الذي لا ينتفعون به في شرب، ولا زرع، ولا غيرهما. وحذف (٣) اللام هاهنا، وأثبتها في الشرطية الأولى للفرق بين المطعوم والمشروب في الأهمية، وصعوبة الفقد. يعني: أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب وأن الوعيد بفقده أشد، وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعًا للمطعوم. وقيل: ذكر اللام في جواب لو في الزرع عملًا بالأصل، وحذفها منه في الماء اختصارًا لدلالة الأول عليه.
﴿فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾؛ أي: فهلا تشكرون ما ذكر جميعًا من المطعوم والمشروب بتوحيد منعمه، وإطاعة أمره. أو فلولا تشكرون على أن جعلناه عذبًا، أي: فهلا تشكرون نعمة الله الذي خلق لكم ماء عذبًا تشربون منه، وتنتفعون به.
والمعنى (٤): أي أفرأيتم أيها الناس الماء العذب الذي تشربونه أأنتم أنزلتموه
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.