بين منافع هذه النار، فقال: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا...﴾ إلخ؛ أي: نحن جعلنا النار تبصرة في أمر البعث، حيث علقنا بها أسباب المعاش لينظروا إليها، ويذكروا بها ما أوعدوا به؛ لأنّ من أخرج النار من الشجر الأخضر المضاد لها فهو قادر على إعادة ما تفرقت مواده، وجعلناها منفعة لمن ينزلون القواء والمفاوز من المسافرين. فكم من قوم سافروا، ثم أرملوا فأججوا نارًا، فاستدفئوا، وانتفعوا بها. وقد كان من لطف الله أن أودعها الأحجار، وخالص الحديد فيتمكن المسافر من حملها في متاعه وبين ثيابه. وإذا احتاج إليها في منزله أخرج زنده، وأورى، وأوقد نارًا، فطبخ بها، واصطلى واشتوى واستأنس بها، وانتفع بها في وجوه المنافع المختلفة.
وفي الحديث: "المسلمون شركاء في ثلاثة: النار، والكلأ، والماء". وفي "فتح الرحمن": بدأ سبحانه بذكر خلق الإنسان، ثم بما لا غنى له عنه. وهو الحب الذي منه قوته. ثم بالماء الذي به سوغه، وعجنه. ثم بالنار التي بها نضجه، وصلاحه. وذكر عقب كل من الثلاثة الأولى ما يفسده، فقال في الأولى: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾، وفي الثانية: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾، وفي الثالثة: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾. ولم يقل في الرابعة ما يفسدها بل قال: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣)﴾ انتهى.
٧٤ - والفاء في قوله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾ للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أيها الإنسان جميع ما عددته لك من النعم التي أنعمت بها على عبادي، وجحود المشركين لها، وتكذيبهم بها، وأردت بيان ما هو اللازم لك في الشكر فأقول لك: سبح؛ أي: نزه، وقدس اسم ربك عما لا يليق به كمشاركة غيره تعالى له في ذلك الاسم: كالإله، والرحمن والخالق. كما تنزه ذاته عن جميع النقائص؛ لأن ما ثبت للمسمى من التنزيه والتقديس نهو ثابت للاسم؛ لأن اسمه تعالى مهاب محترم معظم منزه، كما أن ذاته كذلك.
أي (١): لا تقل لغيره تعالى: إنه إله. فإن الاسم يتبع المعنى، والحقيقة؛ أي: إن الكفار اعترفوا بأن الأمور من الله تعالى، وإذا طولبوا بالوحدانية قالوا: نحن لا نشرك في المعنى، وإنما نتخذ أصنامًا آلهة في الاسم، ونسميها آلهة، والله هو الذي