خلقها، فنحن ننزهه تعالى في الحقيقة. فقال تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾؛ أي: فكما أنت أيها العاقل اعترفت بعدم اشتراك الله مع غيره في الحقيقة اعترفت بعدم اشتراكهما في الاسم والمعنى. تعجب من أمرهم، وقل: سبحان الله العظيم.
ولم يقل (١): فسبح ربك لأن سبح منزل منزلة اللازم، ولم يعتبر تعلقه بالمفعول، ومعناه: فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى بإضمار المضاف شكرًا على تلك النعم، وإن جحدها الجاحدون، أو أحدث التسبيح بذكره تعالى على المجاز؛ فإن إطلاق الاسم للشيء ذكر له. والباء للاستعانة، أو للملابسة، والمراد بذكر ربّه هنا: تلاوة القرآن، والعظيم صفة للاسم أو الرب.
قال ابن عطاء رحمه الله تعالى: سبحه إن الله أعظم من أن يلحقه تسبيحك، أو يحتاج إلى شيء منك، لكنه شرف عبيده بأن أمرهم أن يسبحوه ليطهروا أنفسهم بما ينزهونه به، انتهى.
وفي "فتح الرحمن": قوله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾؛ أي (٢): نزه ربك. فقوله: "باسم" زائد. أو المعنى: نزه اسم ربك. فالباء زائدة، والاسم باق على معناه أو هو بمعنى الذات أو بمعنى الذكر. أو الباء متعلقة بمحذوف حال.
٧٥ - قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ ذهب (٣) جمهور المفسرين إلا أنَّ ﴿لا﴾ مزيدة للتأكيد، وتقوية الكلام كما في قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾. والمعنى: فأقسم. ويؤيد هذا القول قوله فيما بعد: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ﴾. وقال جماعة من المفسرين: إنها للنفي، وإن المنفي بها محذوف. وهو كلام الكفار الجاحدين. وقال الفراء: هي نفي.
والمعنى: ليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف فقال: أقسم. وضعف هذا القول بأن حذف اسم لا وخبرها غير جائز، كما قاله أبو حيان وغيره. وقيل إنها لام الابتداء. والأصل: فلأنا أقسم بذلك. فحذف المبتدأ، وأشبعت فتحة لام الابتداء، فتولد منها ألف، كقول الشاعر:

(١) روح البيان.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon