وأما قوله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) أنواعًا من الأدلة تثبت وحدانيته، وعلمه، وقدرته.. فبين أن كل ما في السموات والأرض فهو في قبضته يصرفه كيفما يشاء على ما تقتضيه حكمته. ثم ذكر أنواعًا من الظواهر في الأنفس ترشد إلى هذا، وأومأ إلى النظر والتأمل فيها. أعقب بذكر التكاليف الدينية فأمر بدوام الإيمان الكامل الذي له آثاره العملية من إخبات النفس لله، وإخلاص العمل له، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
ثم طلب إنفاق المال في سبيله، وأبان أن المال عارية مستردة فهو ملك له، وأنتم خلفاؤه في تثميره في الوجوه التي فيها خير لكم، ولأمتكم، ولدينكم. ولكم على ذلك الأجر الجزيل الذي يضاعفه إلى سبع مئة ضعف. ثم حث على ذلك بأن جعل هذا صفوة دعوة الرسول، وقد أخذ عليكم العهد به، وآيات كتابه هادية لكم تخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. والله رؤوف بكم إذ أنقذكم من هاوية الشرك، وهداكم إلى طاعته. ثم ذكر فضل السابقين الأوّلين الذين أسلموا قبل فتح مكة، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إعلاء كلمة الله حين عز النصير، وقيل المعين. فهؤلاء يستوون مع من فعل ذلك بعد الفتح، وبعد أن دخل الناس في دين الله أفواجًا، وهؤلاء وأولئك لهم المثوبة الحسنى والأجر الكريم عند ربهم. ثم حث على الإنفاق مرة أخرى، وسماه قرضًا حسنًا له، وأنه سيرد هذا القرض، ويجازي به أجل الأجر يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر (٢) بالإيمان والإنفاق في سبيل الله، وحث على كل مهما بوجود موجباته.. فحث على الإيمان بوجود الأسباب التي تساعد عليه. وهي وجود الرسول بين أظهرهم، وكتاب الذي يتلى بين أيديهم، وحث على الإنفاق، فأبان أن المال مال الله، وهو عارية بين أيديهم، ثم يرد إليه، وأنهم ينالون على إنفاقه الأجر العظيم في جنات النعيم، ثم ذكر أن المنفقين أول الإسلام لهم من الأجر أكثر ممن أنفقوا من بعد، حين النصير

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon