العاقل دون من التي للعاقل تغليبًا لغير العقلاء لكثرتهم. وقوله: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قاله (١) هنا بحذف ﴿ما﴾ الثانية موافقة لقوله بعد: ﴿خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. وقاله في الحشر، والصف، والجمعة، والتغابن بإثباتها عملًا بالأصل.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب بقدرته، وسلطانه لا يمانعه، ولا ينازعه شيء. ﴿الْحَكِيمُ﴾ بلطفه وتدبيره، لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة. وفيه إشعار بعلية الحكم. فإن العزة، وهي الغلبة على كل شيء تدل على كمال القدرة. والحكمة تدل على كمال العلم. والعقل يحكم بأن الموصوف بهما يكون منزها عن كل نقص كالعجز والجهل ونحوهما. ولذا كان الأمن كفرًا؛ لأن فيه نسبة العجز إلى الله تعالى، وكذا اليأس؛ لأن فيه نسبة البخل إلى الله الجواد.
٢ - ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: له سبحانه لا لغيره التصرف الكلي، ونفوذ الأمر فيهما، وما فيهما من الموجودات من حيث الإيجاد والإعدام، وسائر التصرفات مما نعلم وما لا نعلم. يتصرف فيهما وحده، ولا ينفُذ غير تصرفه وأمره. وقيل: أراد خزائن المطر، والنبات، وسائر الأرزاق.
يقول الفقير: فإن قلت (٢) كيف أضاف الملك إلى ما هو متناه، وكمال ملكه تعالى غير متناه؟.
قلت: إن للسموات والأرض ظاهرًا وهو ما كان حاضرًا، ومرئيًّا من عالم الملك وهو متناه؛ لأنه من قبيل الأجسام والصور، وباطنًا وهو ما كان غائبًا غير محسوس من أسرارهما وحقائقهما، وهو غير متناه؛ لأنه من عالم الملكوت والمعاني، فإضافة الملك إلى الله تعالى إضافة مطلقة يندرج تحتها الملك والملكوت، وهما غير متناهيين في الحقيقة؛ ألا ترى أن القرآن لا تنقضي عجائبه. فهو بحر لا ساحل له، من حيث أسراره، ومن حيث أن المتكلم به هو الذي لا نهاية له، وإن كان القرآن متناهيًا في الظاهر والحس. فالمراد بالملك: هو الملك
(٢) روح البيان.