الحقيقي؛ لأن ملك البشر مجاز. فإن قلت (١): قوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذكره مرتين، فهو مكرر.
قلت: لا تكرار فيه؛ لأنَّ الأول في الدنيا بدليل قوله عقبه: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، والثاني في العقبى لقوله عقبه: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾.
وهذه الجملة مستأنفة، لا محل لها من الإعراب. وقوله: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ مستأنفة أيضًا لبيان بعض أحكام الملك. أو في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أو في محل نصب على الحال من ضمير ﴿له﴾. والمعنى: يحيي الموتى بالبعث، والنطف، والبيض في الدنيا، ويميت الأحياء في الدنيا. ومعنى الإحياء، والإماتة: جعل الشيء حيًّا، وجعله ميتًا. وقد يستعاران للهداية وللإضلال في نحو قوله (٢): ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء التي من جملتها: ما ذكر من الإحياء والإماتة على مقتضى الحكمة والإرادة ﴿قَدِيرٌ﴾؛ أي: تام القدرة، لا يعجزه شيء كائنًا ما كان، فإن الصيغة للمبالغة.
ومعنى الآيات (٣): أي إن ما دونه من خلقه ينزهه عن كل نقص تعظيمًا له، وإقرارًا بربوبيته، وإذعانا لطاعته. وهو القادر الغالب الذي لا ينازعه شيء. الحكيم في تدبير أمور خلقه، وتصريفها فيما شاء، وأحب له التصرف والسلطان فيهما. وهو نافذ الأمر، ماضي الحكم، فلا شيء فيهن يمتنع منه. يحيي ما يشاء من الخلق كيف شاء، فيحدث من النطفة الميتة حيوانًا ينفخ فيه الروح، ويميت ما يشاء من الأحياء حين بلوغ أجله. وهو سبحانه ذو قدرة تامّة لا يتعذر عليه شيء أراده من إحياء، وإماتة، وإعزاز، وإذلال إلى نحو أولئك.
٣ - ﴿هُوَ﴾ سبحانه ﴿الْأَوَّلُ﴾؛ أي (٤): السابق على سائر الموجودات بالذات والصفات لما أنه مبدئها ومبدعها. فالمراد بالسبق، والأولية: هو الذاتي لا الزماني. فإن الزمان من جملة الحوادث أيضًا. ﴿وَالْآخِرُ﴾؛ أي: الباقي بعد فنائها

(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon