فاستعدوا للقائه باختيار أرشد الأمور، وأحسنها عند الله تعالى. وقرأ الجمهور (١) ﴿تُرْجَعُ﴾ مبنيًا للمفعول، فيكون بمعنى ترد، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، والأعرج مبنيًا للفاعل، فيكون بمعنى تصير. والأمور عام في جميع الموجودات أعراضها وجواهرها.
ومعنى الآية: أي هو سبحانه المالك لما فيهما، والمدبر لأمورهما، والنافذ حكمه فيهما، وإليه مصير جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه، كما قال: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣)﴾، وقال: ﴿وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)﴾.
٦ - ﴿يُولِجُ﴾؛ أي: يدخل سبحانه وتعالى: ﴿اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾؛ أي (٢): يدخل بعض ساعات الليل في النهار حتى يصير النهار أطول ما يكون خمس عشرة ساعة، والليل أقصر ما يكون تسع ساعات. ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ﴾؛ أي: بعض ساعاته ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ بحسب اختلاف الفصول، واختلاف مطالع الشمس ومغاربها حتى يصير الليل أطول ما يكون خمس عشرة ساعة، والنهار أقصر ما يكون تسع ساعات. ومجموع الليل والنهار أربع وعشرون ساعة دائمًا.
والمعنى: أي يقلب الله سبحانه الليل والنهار، ويقدرهما بحكمته كما يشاء. فتارة يطول الليل ويقصر النهار، والعكس بالعكس، وتارة يتركهما معتدلين، وحينًا يجعل الفصل شتاء أو ربيعًا أو صيفًا أو خريفًا، وكل ذلك بتدبيره، وفائدة خلقه.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿عَلِيمٌ﴾؛ أي: مبالغ في العلم ﴿بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: بخطرات قلوب العباد، ومكنوناتها اللازمة لها من الأسرار، والمعتقدات. وذلك أغمض ما يكون، وأخفاه؛ أي: عليم بالسرائر، وإن دقت وخفيت. فهو يعلم نوايا خلقه كما يعلم ظواهر أعمالهم من خير أو شرّ. وفي ذلك حث لنا على النظر والتأمل، ثم الشكر على ما أولى وأنعم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (٣): اسم الله الأعظم في أول سورة
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.