رسوله فيما جاءكم به عن ربكم، تنالوا الفوز برضوانه، وتدخلوا فراديس جنانه، وتسعدوا بما لم يدر لكم بخلد، ولم يخطر لكم ببال، وأنفقوا مما هو معكم من المال على سبيل العارية، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم، واستعملوه في طاعته وإلا حاسبكم على ذلك حسابًا عسيرًا. ولله در لبيد إذ يقول:
وَمَا الْمَالُ وَالأَهْلُوْنَ إلَّا وَدَائِعٌ | وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ |
قال شعبة: سمعت عن قتادة يحدث عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: "انتهيت إلى رسول الله - ﷺ - وهو يقول: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾، يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب، وتاركه للناس". رواه مسلم.
ثم حث على ما تقدم من الإيمان، والإنفاق في سبيل الله تعالى، فقال: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ بالله، وصدقوا رسوله ﴿وَأَنْفَقُوا﴾ مما خولهم الله عمن قبلهم في سبيل الله حسبما أمروا به ﴿لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾؛ أي: ثواب عظيم عند ربهم، وهو الجنة. وهناك يرون من الكرامة، والمثوبة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
٨ - ثم وبخهم على ترك الإيمان الذي أمروا به، وأبان أنه ليس لهم في ذلك من عذر. فقال: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾؛ أي: وأي عذر لكم، وأي مانع من الإيمان، وقد أزيحت عنكم العلل. و ﴿ما﴾ مبتدأ، و ﴿لَكُمْ﴾ خبره. والاستفهام فيه للتوبيخ والتقريع. وجملة ﴿لَا تُؤْمِنُونَ﴾ حال من الضمير في ﴿لَكُمْ﴾، والعامل فيه ما فيه من معنى الفعل، وهو الاستقرار؛ أي (١): أي شيء ثبت لكم، وحصل حال كونكم غير مؤمنين، وحقيقته ما سبب عدم إيمانكم بالله على توجيه الإنكار، والنفي إلى السبب فقط مع تحقق المسبب.
وقيل المعنى: أي شي لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا؟. وجملة قوله: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ في محل نصب على الحال من ضمير {لَا
(١) روح البيان.