١٠ - وبعد أن وبخهم على ترك الإيمان، وبخهم على ترك الإنفاق، وأبان أنه لا معذرة لهم في ذلك. نقال: ﴿وَمَا لَكُمْ﴾ ﴿ما﴾ مبتدأ، ﴿لَكُمْ﴾ خبره. والاستفهام للتقريع والتوبيخ؛ أي: وأي عذر لكم في ﴿أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾؟. وأي شيء يمنعكم من أن تنفقوا فيما هو قربة إلى الله ما هو له في الحقيقة، وإنما أنتم خلفاؤه في صرفه إلى ما عينه من المصارف. فقوله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ مستعار لما يكون قربة إليه، وقال بعضهم: معناه: لأجل الله، والأصل في "أن لا تنفقوا" كما أشرنا إليه في الحل.
وقيل (١): إنَّ ﴿أن﴾ زائدة. وجملة قوله: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ في محل النصب على الحال من فاعل ﴿أَلَّا تُنْفِقُوا﴾ أو من مفعوله المحذوف. والمعنى: وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، والحال أنه لا يبقى لكم منها شيء، بل تبقى كلها لله بعد فناء الخلق. وإذا كان كذلك.. فإنفاقها بحيث تستخلف عوضًا يبقى، وهو الثواب كان أولى من الإمساك؛ لأنها إذًا تخرج من أيديكم مجانًا بلا عوض، ولا فائدة. قال الراغب: وصف الله نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إليه؛ وقال أبو الليث: إنما ذكر لفظ الميراث؛ لأن العرب تعرف أن ما ترك الإنسان يكون ميراثًا، فخاطبهم بحسب يعرفون فيما بينهم.
والخلاصة (٢): أنفقوا أموالكم في سبيل الله قبل أن تموتوا، ليكون ذلك ذخرًا لكم عند ربكم. فبعد الموت لا تقدرون على ذلك. إذ تصير الأموال ميراثًا لمن له السماوات والأرض.
ثم بين سبحانه تفاوت درجات المنفقين بحسب تفاوت أحوالهم في الإنفاق. فقال: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ﴾ يا عشر المؤمنين. روي أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنفقوا نفقات كثيرة حتى قال ناس: هؤلاء أعظم أجرًا من كل من أنفق قديمًا، فنزلت الآية مبينة أن النفقة قبل فتح مكة أعظم أجرًا؛ أي: لا يستوي منكم معشر المؤمنين ﴿مَنْ﴾ آمن، وهاجر، و ﴿أَنْفَقَ﴾ ماله في سبيل الله ﴿مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾؛ أي: قبل فتح مكة الذي أزال الهجرة ﴿وَقَاتَلَ﴾ لإعلاء كلمة الله؛ أي: لا يستوي هو ومن

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon