والقتال. وقد صرح - ﷺ - بفضل الأوّلين بقوله: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
﴿وَكُلًّا﴾؛ أي: كل واحد من الفريقين. وهو مفعول أول لقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾؛ أي: المثوبة الحسنى. وهي الجنة. لا الأوّلين فقط، ولكن الدرجات متفاوتة. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أيها العباد ﴿خَبِيرٌ﴾ بظواهره وبواطنه، ويجازيكم بحسبه.
قال في "المناسبات": لما كان زكاة الأعمال إنما هو بالنيات، وكان التفضيل مناط العلم قال مرغّبًا في حسن النيات، مرهِّبًا من التقصير فيها: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: تجددون عمله على ممر الأوقات ﴿خَبِيرٌ﴾؛ أي: عالم بباطنه وظاهره علمًا لا مزيد عليه بوجه. فهو يجعل جزاء الأعمال على قدر النيّات التي هي أرواح صورها. وقرأ الجمهور (١): ﴿وَكُلًّا﴾ بالنصب، وقرأ ابن عامر، وعبد الوارث بالرفع على أنه مبتدأ.
والمعنى (٢): أي وكل من المنفقين قبل الفتح وبعده لهم ثواب على ما عملوا، وإن كان بينهم تفاوت في مقدار الجزاء، كما قال في آية أخرى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥)﴾ الآية. ثم وعدوا وأوعد. فقال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾؛ أي: والله عليم بظواهر أحوالكم وبواطنها فيجازيكم بذلك، ولخبرته تعالى بكم فضل أعمال من أنفق من قبل الفتح وقاتل، على من أنفق بعده وقاتل، وما ذاك إلا لعلمه بإخلاص الأول في إنفاقه في حال الجهد والضيق. ولأبي بكر الصديق رضي الله عنه الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيد من عمل بها، إذ أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولم يكن لأحد عنده من نعمة يجزيه بها.
١١ - ثم ندب إلى الإنفاق في سبيله، ووبخ على تركه. فقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ من (٣) مبتدأ، خبره ﴿ذَا﴾، و ﴿الَّذِي﴾ صفة ﴿ذَا﴾، أو بدله.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.