الضوء المنبسط من ذلك النور. وقيل: الباء بمعنى عن؛ أي: عن أيمانهم. وقال الزمخشري: وإنما قال: ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ لأنّ السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم، ووراء ظهورهم. وقرأ الجهور ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ بفتح الهمزة، جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد الساعدي، وأبو حيوة ﴿بإيمانهم﴾ بكسرها وعطف هذا المصدر على الظرف؛ لأنَّ الظرف متعلق بمحذوف؛ أي: كائنًا بين أيديهم، وكائنًا بسبب إيمانهم. والمراد بالإيمان: ضد الكفر. وقيل: هو القرآن.
وتقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم: ﴿بُشْرَاكُمُ﴾؛ أي: ما تبشرون به اليوم. وعبارة الخطيب هنا؛ أي: بشارتكم العظيمة في جيمع ما يستقبلكم من الزمان. ﴿جَنَّاتٌ﴾؛ أي: بساتين أو بشراكم دخول جنات، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب. ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها، وقصورها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة المعروفة في الجنة: اللبن، والماء، والخمر، والعسل. حال كونهم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنات. ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: ما ذكر من النور والبشرى بالجنات المخلدة ﴿هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي لا يقادر قدره، حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه لكونهم ظفروا كل ما أرادوا.
ومعنى الآية (١): أي لهم الأجر الكريم حين ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى بين أيديهم ما يكون السبب في نجاتهم، وهدايتهم إلى سبيل الجنة من العلوم التي كملوا بها أنفسهم في الدنيا: كالاعتقاد، بالتوحيد، وخلع الأنداد والأوثان، والقبور، والأعمال الصالحة التي زكوا بها أنفسهم، وبها أخبتوا لربهم، وأنابوا إليه مخلصين له الدين، وبأيمانهم تكون كتبهم. كما جاء في آية أخرى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (٩)﴾. وتقول لهم الملائكة: أبشروا بجنات تجري من تحتها الأنهار جزاء وفاقًا لما قدمتم من صالح الأعمال، وجاهدتم به أنفسكم في ترك الشرك والآثام، وكنتم تذكرون الله بالليل والناس نيام، فطوبى لكم وهنيئًا بما عملتم. ونحو الآية قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ