والإنجيل من قبل نزول القرآن. ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ﴾؛ أي: طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم، أو الأعمار والآمال، وغلبهم الجفاء والقسوة، وزالت عنهم الروعة التي كانت تأتيهم من التوراة والإنجيل إذا تلوهما أو سمعوهما. وقرأ الجمهور (١) ﴿الْأَمَدُ﴾ بتخفيف الدال. وهي الغاية من الزمان. وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها. وهو الزمان بعينه الأطول. وقيل: المراد بالأمد على القراءة الأولى: الأجل والغاية، يقال: أمد فلان كذا؛ أي: غايته. ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: تصلبت وغلظت بذلك السبب بحيث لا تنفعل للخير والطاعة، فهي كالحجارة أو أشد قسوة. فلذلك حرفوا وبدلوا. فنهى الله سبحانه أمة محمد - ﷺ - أن يكونوا مثلهم. ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من أهل الكتاب ﴿فَاسِقُونَ﴾؛ أي: خارجون عن طاعة الله تعالى؛ لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم، وحرفوا، وبدلوا، ولم يؤمنوا بما نزل على محمد - ﷺ - لفرط الجفاء والقسوة. قيل: هم الذين تركوا الإيمان بعيسى ومحمد - ﷺ -. وقيل: هم الذين ابتدعوا الرهبانية. وهم أصحاب الصوامع.
وفيه (٢): إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر، وروي عن عيسى عليه السلام قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله تعالى، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى. فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.
ومعنى الآية (٣): أي أما آن للمؤمنين أن ترق قلوبهم عند سماع القرآن والمواعظ، فتفهمه، وتنقاد له، وتطيع أوامره، وتنتهي عن نواهيه. وإذا كان المؤمنون قد أصابهم الوهن، ولم يمض على الإسلام أكثر من ثلاث عشرة سنة، كما قال ابن عباس: فما بالهم اليوم وقد مضى عليهم أكثر من ثلاثة عشر قرنًا؟. فتعبير الآية عن حالهم الآن بالأولى. فالوهن الآن أضعاف مضاعفة عما كان في تلك الحقبة، ومن ثم أفرط الأفاريج في إذلالهم واستعبادهم، وصاروا غرباء في ديارهم، والأمر والنهي فيها لسواهم.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.