يتفاوتون في ذلك بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من الأعمال.
والخلاصة: أن العاملين أقسام. فمنهم: النبيون، والصديقون، والشهداء، والصالحون كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)﴾.
ولما ذكر الله سبحانه السعداء ومآلهم.. أردف ذلك بذكر حال الأشقياء ومصيرهم. فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ورسله ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾؛ أي: كذبوا بآيات الله، وحججه، وبراهينه الدالة على وحدانيته وصدق رسله ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بالصفات القبيحة المذكورة ﴿أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾؛ أي: أصحاب النار، خالدين فيها أبدا لا يفارقونها، يعذبون بها، ولا أجر لهم ولا نور، بل لهم عذاب مقيم وظلمة دائمة.
وفيه (١): دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار، من حيث إن التركيب يشعر بالاختصاص، والصحبة تدل على الملازمة عرفًا، وأراد بالكفر: الكفر بالله، فهو في مقابلة الإيمان بالله، وبتكذيب الآيات: تكذيب ما بأيدي الرسل من الآيات الإلهية، وتكذيبها تكذيبهم فهو في مقابلة الإيمان والتصديق بالرسل. ففيه وصف لهم بالوصفين القبيحين اللذين هما: الكفر والتكذيب.
٢٠ - ولما ذكر سبحانه حال الفريق الثاني، وما وقع منهم من الكفر والتكذيب، وذلك بسبب ميلهم إلى الدنيا وإيثارها بين لهم حقارتها، وأنها أحقر من أن تؤثر على الدار الآخرة. فقال: ﴿اعْلَمُوا﴾ أيها المكبون على الدنيا المعرضون عن الآخرة ﴿أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ لفظ الحياة زائد، والمضاف مضمر، و ﴿ما﴾ صلة؛ أي: اعلموا أن أمور الدنيا وشؤونها لشعب إلخ، ويجوز أن تجعل الحياة الدنيا مجازًا عن أمورها بعلاقة اللزوم. وفي "كشف الأسرار": الحياة القربى في الدار الأولى. فإن المقصود الحياة في هذه الدار، فكل ما قبل الموت دنيا، وكل ما تأخر عنه أخرى. ﴿لَعِبٌ﴾؛ أي: عمل باطل تتعبون فيه أنفسكم إتعاب اللاعب بلا فائدة. واللعب (٢) في أصله: هو فعل الصبيان الذين يتعبون أنفسهم جدًّا، ثم إن تلك الملاعب تنقضي من غير

(١) روح البيان.
(٢) المرح.


الصفحة التالية
Icon