وبالبحر الموقد في باطن الأرض بمنزلة التنور المحمي.
ثم ذكر ما أقسم عليه، فقال: من عذاب ربك يا محمد المحيط بالكافرين المكذبين بالرسل لواقع يوم القيامة، لا يدفعه عنهم دافع، ولا يجدون من دونه مهربًا جزاء ما دسوا به أنفسهم من الشرك والآثام، ودسوا به أرواحهم أو التكذيب بالرسل.
٩ - ﴿يَوْمَ تَمُوُر﴾ وتضطرب وتتحرك ﴿السَّمَاءُ مَوْرًا﴾؛ أي: اضطرابًا. وهو ظرف لواقع، مبين لكيفية الوقوع مُنَبِّىء عن كمال هوله وفظاعته، لا لدافع؛ لأنّه يوهم أنّ أحدًا يدفع عذابه في غير ذلك اليوم.
والغرض: أنّ عذاب الله لا يدفع في كل وقت. والمور: الاضطراب والتردد في المجيء والذهاب، والجريان السريع؛ أي: تضطرب، وتجيء، وتذهب. قيل: تدور السماء كما تدور الرحى، وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. وقيل: يختلج أجزاؤها بعضها في بعض، ويموج أهلها بعضهم في بعض، ويختلطون، وهم الملائكة. وذلك من الخوف.
والمعنى (١): أي ليس للعذاب دافع في ذلك اليوم الذي ترتج فيه السماء. وهي في أماكنها، وتتحققون أنه لا مانع من عذاب الله، ولا مهرب منه.
١٠ - ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ﴾ عن أماكنها ﴿سَيْرًا﴾ كسير السحاب، وتزول عن مواضعها، وتطير في الهواء، ثم تقع على الأرض مفتتة كالرمل، ثم تصير كالعهن - الصوف المندوف - ثم تطيرها الرياح، فتكون هباء منثورًا. كما دل على ذلك ما جاء في سورة النمل.
والحكمة في مور السماء، وسير الجبال: الإعلام والإنذار بأن لا رجوع ولا عودة إلى الدنيا لخرابها، وعمارة الآخرة. وتأكيد (٢) الفعلين بمصدريهما للإيذان بغرابتهما، وخروجهما عن الحدود المعهودة؛ أي: مورًا عجيبًا وسيرًا بديعًا، لا يدرك كنههما، كما سيأتي في مبحث البلاغة.
١١ - والفاء في قوله: ﴿فَوَيْلٌ﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط
(٢) روح البيان.