وفي الآية: دلالة بينة على أن الولد يحكم بإيمانه تبعًا لأحد أبويه، وتحقيقًا للحوقه به. فإنه تعالى إذا جعلهم تابعين لآبائهم، ولا حقين بهم في أحكام الآخرة، فينبغي أن يكونوا تابعين لهم، ولا حقين بهم في أحكام الدنيا أيضًا. قال في "فتح الرحمن": إن المؤمنين اتبعتهم أولادهم الكبار والصغار بسبب إيمانهم. فكبارهم بإيمانهم بأنفسهم، وصغارهم بأن اتبعوا في الإِسلام بآبائهم بسبب إيمانهم؛ لأنّ الولد يحكم بإسلامه تبعًا لأحد أبويه إذا أسلم. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعيّ، وأحمد. وقال مالك: يحكم بإسلامه تبعًا لإسلام أبيه دون أمه.
وقيل (١): إنّ الضمير في ﴿بِهِمْ﴾ راجع إلى الذرية المذكورة أولًا؛ أي: ألحقنا بالذرية المتبعة لآبائهم بإيمان ذريتهم. وقيل: المراد بالذين آمنوا: المهاجرون والأنصار فقط. وظاهر الآية العموم، ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار كونهم السبب في نزولها إن صح ذلك. فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ﴾ بإسناد الفعل إلى الذريّة. وقرأ أبو عمرو ﴿أَتْبَعْنَاهم﴾ بإسناد الفعل إلى المتكلّم كقوله: ﴿أَلْحَقْنَا﴾. وقرأ الجمهور ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ بالإفراد. وقرأ ابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب بالجمع، إلا أن أبا عمرو قرأ بالنصب على المفعولية لكونه قرأ ﴿وأَتْبَعْناهم﴾. ورويت قراءة الجمع هذه عن نافع والمشهور عنه كقراءة الجمهور.
والمعنى: أي إن المؤمنين إذا اتبعتهم ذريتهم في الإيمان.. يلحقهم ربهم بآبائهم في المنزلة فضلًا منه وكرمًا، وإن لم يبلغوا بأعمالهم منزلتهم لتقر بهم أعينهم، ويكمل بهم فرحهم وحبورهم لوجودهم بينهم. وروى ابن مردويه، والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النبي - ﷺ - قال: "إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه، وزوجته، وولده فيقال له: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به".
﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾؛ أي (٣): وما نقصنا الآباء بهذا الإلحاق، وإلا لأبغضوهم في

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط والشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon