فنون النعماء، وضروب الآلاء. وذلك أنه تعالى لما قال: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ ونفى النقصان يصدق بإيصال المساوى دفع هذا الاحتمال بقوله: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ﴾؛ أي: ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوي بل بالزيادة على ثواب أعمالهم، والإمداد لهم.
و ﴿ما﴾ (١) في ﴿مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ للعموم لأنواع اللحوم. وفي الخبر: "إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخرُّ بين يديك مشويًّا". وقيل: يقع الطائر بين يدي الرجل في الجنة فيأكل منه قديدًا ومشويًّا، ثم يطير إلى النهر. وذكر الفاكهة واللحم دون أنواع الطعام الأخرى؛ لأنهما طعام المترفين في الدنيا.
٢٣ - وبعد أن ذكر طعامهم أردفه بذكر شرابهم، وسرورهم لدى إحتسائهم له، فقال: ﴿يَتَنَازَعُونَ﴾؛ أي: يتعاطون ﴿فِيهَاَ﴾؛ أي: في الجنات، ويتداولون هم وجلساؤهم بكمال رغبة واشتياق. كما ينبىء عنه التعبير بالتنازع الذي هو التعاطي والتداول على طريق التجاذب. يعني: تجاذب الملاعبة لفرط السرور والمحبّة. وفيه نوع لذة. إذ لا يتصور في الجنة التنازع بمعنى التخاصم.
﴿كَأْسًا﴾؛ أي: يتعاطون ويتناولون فيها كؤوسًا من خمر، ويتجاذبونها هم وجلساؤهم تجاذب ملاعبة كما يفعل الندامى في الدنيا فيما بينهم لشدّة سرورهم. والكأس: قدح فيه شراب، ولا يسمى كأسًا إلا إذا كان فيه شراب، كما لا يسمّى مائدة إلا إذا كان فيه طعام.
والمعنى (٢): ﴿كَأْسًا﴾؛ أي: خمرًا تسمية لها باسم محلها.
ولما كانت الكأس مؤنثة مهموزة أنّث الضمير في قوله: ﴿لَا لَغْوٌ﴾؛ أي: لا باطل من الكلام؛ ولا ساقط منه. ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في شرب تلك الكأس. فلا يتكلّمون في أثناء الشرب بلغو الحديث، وسقط الكلام.
قال الراغب: اللغو من الكلام: ما لا يُعتدّ به. وهو الذي يورد لا عن روية وفكر. فيجري مجرى اللغا. وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. ﴿وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ في شربها؛ أي: لا يفعلون ما يأثم به فاعله؛ أي: ينسب إلى الإثم لو فعله في دار
(٢) روح البيان.