نعبده، ونسأله أن يمنّ علينا بالمغفرة والرحمة، فاستجاب دعائنا، وأعطانا سؤلنا. ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾؛ أي: لأنّه هو المحسن الكثير الرحمة الواسع الفضل الذي إذ عُبد أثاب، وإذا سئل أجاب. وكل من المؤمن والكافر لا ينسى ما كان له في الدنيا. وتزداد لذّة المؤمن إذا رأى نفسه قد انتقلت من سجن الدنيا إلى نعيم الجنة، ومن الضيق إلى السعة. وتزداد آلام الكافر إذا رأى نفسه انتقل من الترف إلى التلف، ومن النعيم إلى الجحيم.
وقرأ الحسن وأبو جعفر، ونافع، والكسائي (١): ﴿أنه﴾ بفتح الهمزة؛ أي: لأنّه. وقرأ باقي السبعة ﴿إِنَّهُ﴾ بكسر الهمزة. وهي قراءة الأعرج، وجماعة، وفيها معنى التعليل.
٢٩ - والفاء في قوله: ﴿فَذَكِّرْ﴾ فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدّر تقديره: إذا عرفت يا محمد أن في الوجود قوما يخافون الله سبحانه، ويشفقون في أهليهم، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك: أثبت ودم على ما أنت عليه من تذكير المشركين بما أنزل إليك من الآيات والذكر الحكيم، ولا تكثرت بحسب يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل.
﴿فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ﴾؛ أي: بسبب إنعام الله عليك بالنبوّة، ورجاحة العقل ﴿بِكَاهِنٍ﴾؛ أي: بمخبر عن المغيبات بلا وحي. ﴿وَلَا مَجْنُونٍ﴾؛ أي: ولا زائل عقل، ولا فاسده. والباء (٢) متعلقة بمحذوف هو حال؛ أي: ما أنت متلبّسًا بنعمة ربك التي أنعم بها عليك من رجاحة العقل بكاهن ولا مجنون. وقيل: متعلقة بمحذوف يدل عليه الكلام؛ أي: ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون. وقيل: الباء سببية متعلقة بمضمون الجملة المنفية.
والمعنى: انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك. كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد الله. وقيل: الباء للقسم متوسطة بين اسم ﴿ما﴾ وخبرها. والتقدير: ما أنت ونعمة الله بكاهن ولا مجنون. والكاهن: هو الذي يوهم أنه يعلم الغيب من دون وحي؛ أي: ليس ما تقوله كهانة. فإنك إنما تنطق بالوحي الذي
(٢) الشوكاني.