أمرك الله بإبلاغه. والمقصود من الآية: ردّ ما يقوله المشركون: إنه كاهن أو مجنون.
والمعنى: أي (١) فذكر أيها الرسول من أرسلت إليهم من قومك وغيرهم، وعظهم بالآيات والذكر الحكيم، ولا تكثرت بما يقولون فيك من الأكاذيب. وقد انتفت عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله عليك. والمقصود بذلك: الرد على القائلين بذلك، وإبطاله. فإن ما أوتيته من رجاحة العقل، وعلو الهمة، وكرم الفعال، وصدق النبوّة لكاف جد الكفاية في دحض هذا، وأشباهه. وممن قال: إنه كاهن: شيبة بن ربيعة. وممن قال: إنه مجنون: عقبة بن أبي معيط.
٣٠ - ثم ذكر أنهم ترقوا في الإنكار عليه، فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ و ﴿أَمْ﴾ (٢) المكرّرة في هذه الآيات منقطعة بمعنى بل الأضرابية، وهمزة الاستفهام. وقال في "برهان القرآن": أعاد أم خَمْس عَشْرَةَ مرّة. وكلّها إلزامات وليس للمخاطبين بها عنها جواب. وفي "عين المعاني": ﴿أَمْ﴾ هاهنا خمسة عشر. وكلّها استفهام. أربعة للتحقيق والتقرير مع التوبيخ بمعنى بل:
١ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ﴾.
٢ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ وقد قالوها.
٣ - ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾.
٤ - ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا﴾. وقد فعلوهما. وسائرها للإنكار.
وفي "فتح الرحمن": جميع ما في هذه السورة من ذكر ﴿أم﴾ استفهام غير عاطفة. واستفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحًا عليهم وتوبيخًا لهم، كقول الشخص لغيره: أجاهل أنت؟ مع علمه بجهله؛ أي: بل أيقول كفّار مكة: هو؛ أي: محمد - ﷺ - ﴿شَاعِرٌ﴾ يتقوّل الكلام من تلقاء نفسه. وصفوه بالشعر؛ لأنهم يعدُّون الشعر دناءة. لأنّ الشعر كان مكسبة وتجارة. وفيه وصف اللئيم عند الطمع بصفة الكريم، والكريم عند تأخر صلته بوصف اللئيم. ومما يدل على شرف النثر أنَّ الإعجاز وقع في النثر دون النظم؛ لأنّ زمن النبيّ - ﷺ - زمن الفصاحة.
فإن قلت: فإذا كان الإعجاز واقعًا في النثر، فكيف قالوا في حقّ القرآن: شعر، وفي حقّه - ﷺ -: شاعر؟
قلت: ظنوا أنه - ﷺ - كان يرجو الأجر على التبليغ. ولذا قال تعالى: {قُلْ مَا
(٢) روح البيان.