من داخل والمسلمون من خارج، ولينقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل. ﴿وَ﴾ بـ ﴿أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ حيث كانوا يخربونها إزالة لمتحصنهم ومتمنعهم، وتوسيعًا لمجال القتال، وإضرارًا بهم، وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه، فكأنهم كلفوهم إياه، وأمروهم به، وهذا كقوله - ﷺ -: "من أكبر الكبائر: أن يسب الرجل والديه"، فقالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟ فقال: "يساب الرجل، فيسب أباه فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه".
وقال الضحَّاك وقتادة: كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم.
وقال الزهري، وابن زيد، وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبي - ﷺ - على أن لهم ما أقلت الإبل.. كانوا يستحسنون الخشبة أو العمود، فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم، ويخرب المؤمنون باقيها.
وقال الزهري أيضًا: يخربون بيوتهم بنقض المعاهد، وأيدي المؤمنين بالمقاتلة.
وقال أبو عمرو: بأيديهم بتركم لها، وبأيدي المؤمنين بإجلائهم عنها.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يخْربون﴾ بالتخفيف. وقرأ الحسن، والسلمي، ونصر بن
عاصم، وأبو العالية، وأبو عمرو، وقتادة، والجحدري، ومجاهد، وأبو حيوة، وعيسى: ﴿يخرِّبون﴾ بالتشديد. والقراءاتان بمعنى واحد، إلا أن في التشديد معنى التكثير. وفيه إشارة إلى أن استناد الكفار إلى الحصون والأحجار والسلاح، وأن اعتماد المؤمنين على الله الملك الغفار؟ ولا شك أن من اعتمد على المأمن الحقيقي ظفر بمراده في دنياه وآخرته، وأن ما استند إلى ما سوى الله تعالى خسر خسرانًا مبينًا في تجارته.
﴿فَاعْتَبِرُوا﴾؛ أي: فاتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد تهتدي إليه الأفكار. ﴿يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ والعقول والبصائر الكاملة، واتقوا مباشرة ما أدّاهم إليه من الكفر والمعاصي، وانتقلوا من حال الفريقين إلى حال

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon