﴿الْجَلَاءَ﴾؛ أي: الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع. و ﴿لولا﴾ (١) امتناعية، وما بعدها مبتدأ محذوف الخبر. فإن ﴿أَن﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المقدر؛ أي: ولولا أنه، و ﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾: خبرها، وجملة ﴿أنْ﴾ في محل رفع على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: ولولا كتاب الله عليهم الجلاء واقع في علمه أو في لوحه.. ﴿لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ بالقتل والسبي، كما فعل ببني قريظة إخوانهم من اليهود.
قال بعضهم: لما استحقوا بجرمهم العظيم قهرًا عظيمًا.. أخذوا بالجلاء الذي جعل عديلًا لقتل النفس؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ مع أن فيه احتمال إيمان بعضهم بعد مدة وإيمان من يتولد منهم.
وكان (٢) بنو النضير من الجيش الذين عصوا موسى عليه السلام في كونهم لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق، تركوه لجماله وعقله، وقال موسى عليه السلام: لا تستحيوا منهم أحدًا، فلما رجعوا إلى الشام.. وجدوا موسى عليه السلام قد مات، فقال لهم بنو إسرائيل: أنتم عصاة، والله لا دخلتم علينا بلادنا. فانصرفوا إلى الحجاز، فكانوا فيه فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجراه بختنصر على أهل الشام؛ فإنه أجلى معظمهم من بلاد الشام إلى العراق، وكان الله قد كتب على بني إسرائيل جلاء، فنالهم هذا الجلاء على يد محمد - ﷺ -، ولولا ذلك.. لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، كأهل بدر وغيرهم. ويقال: جلا القوم عن منازلهم، وأجلاهم غيرهم. قيل: والفرق بين الجلاء والإخراج: أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد، والإخراج: قد يكون مع بقاء الأهل والولد. وقال الماوردي: الجلاء لا يكون إلا لجماعة، والإخراج قد يكون لجماعة ولواحد.
وقرأ الجمهور: ﴿الْجَلَاءَ﴾ ممدودًا، والحسن بن صالح، وأخوه عليّ بن صالح مقصورًا. وقرأ طلحة مهموزًا من غير ألف كـ ﴿النبأ﴾.
﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾؛ أي: إن نجوا من عذاب الدنيا.. لم ينجوا في
(٢) البحر المحيط.