أن الله سبحانه لما ذكر أحكام كفّارة الظهار، وبين أنه إنما شرعها تغليظًا على الناس حتى يتركوا الظهار - وقد كان ديدنهم في الجاهلية - ويتبعوا أوامر الشريعة، ويلين قيادهم لها، ويخلصوا لله ربهم في جميع أعمالهم، فتصفو نفوسهم وتزكو بصالح الأعمال.. أردف هذا ببيان أنّ من يشاق الله ورسوله، ويعصي أوامره يلحق به الخزي والهوان في الدنيا، وله في الآخرة العذاب المهين في نار جهنم، ثم أعقب ذلك بالوعيد الشديد، فبين أنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فهو عليم بمناجاة المتناجين، فإن كانوا ثلاثة.. فهو رابعهم، وإن كانوا خمسة.. فهو سادسهم، وإن كانوا أقل من ذلك أو أكثر.. فهو معهم أينما كانوا، فلا تظنوا أنه تخفى عليه أعمالكم وسينبئكم بها عند العرض والحساب، وحين ينصب الميزان، فتلقون جزاء ما كسبت أيديكم، وتندمون ولات ساعة مندم.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله (١) سبحانه لمّا ذكر أنّه عليم بالسر والنجوى، وأنه لا تخفى عليه خافية من أمرهم، فهو عليم بما يكون من التناجي بين الثلاثة والخمسة والأكثر والأقل، ومجازيهم على ما يكون به التناجي.. خاطب رسوله معجبًا له من اليهود والمنافقين الذين نهوا عن التناجي دون المؤمنين، فعادوا لما نهوا عنه، وما كان تناجيهم إلا بما هو إثم وعدوان على غيرهم، ثم ذكر أنهم كانوا إذا جاؤوا الرسول.. حيوه بغير تحية الله، فيقولون: السام عليك - يريدون الموت، ثم يقولون في أنفسهم: لو كان رسولًا.. لعذبنا الله؛ للاستخفاف به، وإن جهنم لكافية جدّ الكفاية لعذابهم، ثم نهى المؤمنين أن يفعلوا مثل فعلهم، بل يتناجون بالبرّ والتقوى. ثم بين أن التناجي بالإثم والعدوان من الشيطان، ولن يضيرهم شيء منه إلا بإذن الله، فعليه فليتوكلوا.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما نهى عباده المؤمنين عما يكون سببًا للتباغض من التناجى بالإثم والعدوان.. أمرهم بما يكون سبب التوادّ والتوافق بين بعض المؤمنين وبعضٍ، من التوسع في المجالس حين إقبال الوافد، والانصراف إذا طلب